ويروى عن رسول الله أنه قرأ : (فبذلك فلتفرحوا (١)) فإذا لم يكن الأمر للحاضر فلا بد من إدخال اللام تقول : ليقم زيد وتقول : زر زيدا وليزرك إذا كان الأمر لهما جميعا ؛ لأن زيدا غائب فلا يكون الأمر له إلا بإدخال اللام وكذلك إذا قلت : ضرب زيد فأردت الأمر من هذا قلت : ليضرب زيدا ؛ لأن المأمور ليس بمواجه والنحويون يجيزون إضمار هذه اللام للشاعر إذا اضطر وينشدون لمتمم بن نويرة :
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي |
|
لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (٢) |
أراد : ليبك وقول الآخر :
__________________
(١) قرأ رويس بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة.
(٢) قال الأعلم : هذا من أقبح الضرورة ، لأن الجازم أضعف من الجار ، وحرف الجر لا يضمر. وقد قيل :
إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة ، واكتفي بالكسرة منها. وهذا أسهل في الضرورة وأقرب.
وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان ، يقول : سمعت محمد بن يزيد ينشد هذا البيت ، ويلحن قائله ، وقال : أنشده الكوفيون ، ولا يعرف قائله ، ولا يحتج به ، ولا يجوز مثله في شعر ولا غيره ؛ لأن الجازم لا يضمر ؛ ولو جاز هذا ، لجاز يقم زيد ، بمعنى : ليقم. وحروف الجزم لا تضمر ، لأنها أضعف من حروف الخفض ، وحرف الخفض لا يضمر.
فبعد أن حكى لنا أبو الحسن هذه الحكاية ، وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه : وحدثني أبو الخطاب أنه سمع هذا البيت ممن قاله.
قال أبو إسحاق الزجاج احتجاجا لسيبويه : في هذا البيت حذف اللام ، أي : لتفد. قال : وإنما سماه إضمارا ، لأنه بمنزلته.
وأما قوله : أو يبك من بكى ، فهذا البيت لفصيح ، وليس هذا مثل الأول ، وإن كان سيبويه قد جمع بينهما.
وذلك أن المعطوف يعطف على اللفظ وعلى المعنى ، فعطف الشاعر على المعنى ، لأن الأصل في الأمر أن يكون باللام ، فحذفت تخفيفا ، والأصل : فلتخمشي ، فلما اضطر الشاعر عطف على المعنى ، فكأنه قال :
فلتخمشي ، ويبك ، فيكون الثاني معطوفا على معنى الأول.
والبعوضة : موضع بعينه قتل في رجال من قومه ، فحض على البكاء عليهم.
وحذا ابن هشام في المغنى هذا الحذو ، وقال : وهذا الذي منعه المبرد أجازه الكسائي في الكلام ، بشرط تقدم قل ، وجعل منه : "قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ" ، أي : ليقيموا. انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٨٣.