(تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ،) فإن أبا العباس رحمه الله يقول : ليس هذا الجواب ولكنه شرح ما دعوا إليه والجواب : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ) [الشعراء : ١٠ ـ ١٢].
فإن قال قائل : فهلا كان الشرح (أن تؤمنوا) ؛ لأنه بدل من تجارة؟ فالجواب في ذلك : أن الفعل يكون دليلا على مصدره فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه ألا ترى أنهم يقولون : من كذب كان شرا له يريدون : كان الكذب.
وقال الله عز وجل : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١٨٠] ؛ لأن المعنى البخل خير لهم فدل عليه بقوله : (يَبْخَلُونَ) وقال الشاعر :
ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى
المعنى : عن أن أحضر الوغى فأن والفعل كقولك : عن حضور الوغى فلما ذكر (أحضر) دل على الحضور وقد نصبه قوم على إضمار (أن) وقدموا الرفع.
فأما الرفع فلأن الفعل لا يضمر عامله فإذا حذف رفع الفعل وكان دالا على مصدره بمنزلة الآية.
وهي : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ثم قال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ،) وذلك لو قال قائل : ما يصنع زيد؟ فقلت : يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول : الأكل والصلاة.
ألا ترى أنّ الفعل إنّما مفعوله اللازم له إنما هو مصدره ؛ لأن قولك : قد قام زيد بمنزلة قولك : قد كان منه قيام.
فأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع ولكنهم أجازوا معه النصب ؛ لأن المعنى (بأن) وقد أبان ذلك بقوله فيما بعده (وأن أشهد) فجعله بمنزلة الأسماء التي تجيء بعضها محذوفا للدليل عليه ، وفي كتاب الله عز وجل : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرحمن : ٢٩] قال :
والقول عندنا أنّ (من) مشتملة على الجميع لأنها تقع للجميع على لفظها للواحد.
وقد ذهب هؤلاء إلى أن المعنى : ومن في الأرض وليس القول عندي كما قالوا.