وقالوا في بيت حسان بن ثابت :
فمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
إنما المعنى : ومن يمدحه وينصره وليس الأمر عند أهل النظر كذلك ولكنه جعل (من) نكرة وجعل الفعل وصفا لها ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف فكأنه قال : وواحد يمدحه وينصره ؛ لأن الوصف يقع موضع الموصوف إذا كان دالا عليه.
وعلى هذا قول الله عز وجل : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩] وقال الشاعر :
كأنّك من جمال بني أقيش |
|
يقعقع خلف رجليه بشنّ (١) |
يريد : كأنك جمل ولذلك قال : يقعقع خلف رجليه. وقال في أشد من ذا :
__________________
(١) على أن حذف الموصوف هنا بدون أن يكون بعضا من مجرور بمن أو في لضرورة الشعر ، والتقدير :
كأنك جمل بني أقيش. وهذا مثال لقيام الظروف مقام الموصوف لضرورة الشعر ، والبيتان قبله لقيام الجملة مقامه كذلك.
وقد أورده ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية كما أورده الشارح المحقق. وفيه أن البيت من القسم الأول ، وهو أن الموصوف بالجملة أو الظرف إذا كان بعضا من مجرور بمن أو في يجوز حذفه كثيرا.
وبيانه أن الموصوف يقدر هنا قبل يقعقع ، والجملة صفة له ، أي : كأنك جمل يقعقع ، وهو بعض من المجرور بمن ، ويكون قوله من جمال بني أقيش حالا من ضمير يقعقع الراجع إلى جمل المحذوف.
وقد أورده الزمخشري في المفصل وصاحب اللباب فيما يجوز حذف الموصوف منه ، إلا أنهما جعلاه خبرا لكان كالشارح المحقق. وهما في ذلك تابعان لسيبويه ، فإنه قال في باب حذف المستثنى استخفافا ، قال : وذلك قولك ليس غير ، وليس إلا ، كأنه قال : ليس إلا ذاك وليس غير ذاك ، ولكنه حذفوا ذلك تخفيفا واكتفاء بعلم المخاطب ما يعنى.
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول : ما منهما مات حتى رأيته فيي حال كذا ، وإنما يريد ما منهما واحد مات.
ومثل ذلك قوله تعالى جده : "وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ" ، ومثل ذلك من الشعر :
كأنّك من جمال بني أقيش
أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش. انظر خزانة الأدب ٢ / ١٣٧.