واعلم أنه لا يجوز أن تلي الفاء (ما) ولا شيء مما يكون جوابا وفي كتاب سيبويه في هذا الباب مسألة مشكلة وأنا ذاكر لفظه وما يجب فيها من السؤال والجواب عنه.
قال سيبويه : لا تدن من الأسد يأكلك قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله ، فإن رفعت فالكلام حسن ، فإن أدخلت الفاء فحسن ، وذلك قولك : لا تدن منه فيأكلك وليس كل موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء ألا ترى أنه يقول : ما أتيتنا فتحدثنا والجزاء هاهنا محال وإنما قبح الجزم في هذا ؛ لأنه لا يجىء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء فمما يسأل عنه في هذا أن يقال : لم حسن مع الفاء النصب وقبح في الجزم ولم يفصل بينهما سيبويه بشيء قبحه فالجواب في ذلك أن الفرق بين المنصوب والمجرور أنك إذا جزمت إنما تقدر مع حرف الجزاء الفعل الذي ظهر ، وإن كان أمرا قدرت فعلا موجبا ، وإن كان نهيا قدرت فعلا منفيا ألا ترى أنك إذا قلت : قم أعطك فالتأويل : إن تقم أعطك ، وإذا قلت لا تقم أعطك.
فالتأويل : إلّا تقم أعطك فالإيجاب نظير الأمر والنفي نظير النهي ؛ لأن النهي نفي فهذا الجزاء على أنه لم ينقل فيه فعل إلى اسم ولا يستدل فيه بفعل على اسم ثم عطف عليه ، وإن قال : ما تأتيني فتحدثني فما بعد الفاء في تقدير اسم قد عطف على اسم دل عليه (تأتيني) ؛ لأن الأفعال تدل على مصادرها وكذلك إذا قال : لا تفعل فأضربك فالتأويل على ما قال سيبويه : أن المنصوب معطوف على اسم كأنه إذا قال : ليس تأتيني.
فتحدثني قال : ليس إتيان فحديث ، وإذا قال : لا تفعل فتضرب قد قال : لا يكن فعل فتضرب وهذا تمثيل وقد فسره وقواه ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى ، وإن كانت الأولى مسألة.
قال : اعلم أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحد وكل ذلك على إضمار (أن) إلا أن المعاني مختلفة كما أن قولك : (يعلم الله) يرتفع كما يرتفع : يذهب زيد وعلم الله يفتح كما يفتح : ذهب زيد وفيها معنى اليمين قال : فالنصب هنا كأنك قلت : لم يكن إتيان ، فإن تحدث والمعنى غير ذلك كما أن معنى : علم الله لأفعلن غير معنى : رزق الله ، فإن (تحدث)