أدلّ على المعاني ألا ترى أنهم جازوا بحرف الاستفهام والاستفهام وإنما جازوا بالأخبار لأفعال المستفهم عنها فقال أين بيتك يراد به أعلمني.
والعطف بالفاء مضارع للجزاء ؛ لأن الأول سبب للثاني وهو مخالف له من قبل عقده عقد جملة واحدة ألا ترى أنهم مثلوا ما تأتينا فتحدثنا في بعض وجوهها بما يأتينا محدثنا ، فإن قلت : لا تعص فتدخل النار فالنهي هو النفي كما عرفتك فصار بمنزلة قولك : ما تعصي فتدخل النار فقد نفيت العصيان الذي يتبعه دخول النار. وكذلك قد نهيت عنه.
فالنهي قد اشتمل على الجميع إلا أن فيه من المعنى في النصب ما ذكرنا ، فإن قلت : قم فاعطيك فالمعنى ليكن منك قيام يوجب عطيتي وكذلك اقعد فتستريح أي : ليكن منك قعود تتبعه راحة فيقرب معناه من الجزاء إذا قلت : قم أعطك أي إن تقم أعطك ، وإذا دخلت الفاء في جواب الجزاء فهي غير عاطفة إلّا أنّ معناها الذاتي يخصها تفارقه إنها تتبع ما بعدها ما قبلها في كلّ موضع وقال الشاعر في جواب الأمر :
يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا |
فقد جعل سير ناقته سببا لراحته فكأنه قال : ليكن منك سير يوجب راحتنا وهذا مضارع لقوله : إن تسيري نستريح ولذلك سمى النحويون ما عطف بالفاء ونصب جوابا لشبهه بجواب الجزاء وكذلك إذا قال : أدن من الأسد يأكلك فهو مضارع لقوله : ادن من الأسد فيأكلك ؛ لأن معنى ذاك إن تدن من الأسد يأكلك ومعنى هذا : ليكن منك دنو من الأسد يوجب أكلك أو يتبعه أكلك إلّا أنّ هذا مما لا يؤمر به ؛ لأن من شأن الناس النهي عن مثل ذلك لا الأمر به ، فإن أردت ذاك جاز فإذا قلت : لا تدن من الأسد يأكلك لم يجز ؛ لأن المعنى :أنك تدن من الأسد يأكلك لم يكن إلّا على المجاز ، وإن السامع يعلم ما تعني ؛ لأن المعنى : إلّا تدن من الأسد يأكلك وهذا محال ؛ لأن البعد لا يوجب الأكل فإذا قلت : لا تدن من الأسد فيأكلك جاز ؛ لأن النهي مشتمل في المعنى على الجميع كأنه قال : لا يكن منك دنو من الأسد.
يوجب أكلك أو يتبعه أكلك وكذلك قوله : ما تدنو من الأسد فيأكلك هو مثل لا تدن لا فرق بينهما.