وفي الجزاء قد جعل نفي الدنّو موجبا للأكل.
واعلم أنّ كل نفي معنى تحقيق للإيجاب بالفاء نحو : ما زال ولم يزل لا تقول : ما زال زيد قائما فأعطيك وإنما صار النفي في معنى الإيجاب من أجل أنّ قولهم زال بغير ذكر ما في معنى النفي لأنك تريد عدم الخبر فكأنك لو قلت : زال زيد قائما لكان المعنى زال قيامه فهو ضد كان زيد قائما وكان وأخواتها إنما الفائدة في أخبارها والإيجاب والنفي يقع على الأخبار فلما كان زال بمعنى : ما كان ثم أدخلت (ما) صار إيجابا ؛ لأن نفي النفي إيجاب فلذلك لم يجز أن يجاب بالفاء وقوم يجيزون أنت غير قائم فتأتيك.
قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز لأنّا إنما نعطف المنصوب على مصدر يدلّ عليه الفعل فيكون حرف النفي منفصلا وغير اسم مضاف وليست بحرف فتقول : ما قام زيد فيحسن إلّا حمد وما قام فيأكل إلا طعامه قال الشاعر :
وما قام منّا قائم في نديّنا |
|
فينطق إلا بالّتي هى أعرف (١) |
__________________
(١) على أن النفي بالمعنى الثاني ، وهو أن يرجع النفي لما بعد الفاء ، كثير الاستعمال كما في البيت ، فإن النفي منصب على ينطق في المعنى ، وقام مثبت في تأويل المستقبل ، لمناسبة المعطوف.
ولهذا قال الشارح المحقق : أي يقوم ، ولا يقوم إلا بالتي هي أعرف. وإنما جعل النفي هنا بالمعنى الثاني لأجل الاستثناء ، فإن الاستثناء المفرغ لا يكون إلا مع النفي ، فلما اعتبر في ينطق صح التفريغ.
وجوز صاحب اللباب أن يكون النفي في البيت على ظاهره من القسم الأول. قال في باب الاستثناء :
والمفرغ لا يكون إلا في الإثبات. إلى أن قال : ويجوز فيما هو جواب النفي. وأنشد هذا البيت.
قال الفالي في شرحه : لا يقال ينبغي أن لا يجوز ، لأن قولك فينطق مثبت ، ولا يصح المفرغ في المثبت ، لأن قوله : فينطق بالنصب بأن المضمرة ، والتقدير : فأن ينطق ، وهذا المصدر معطوف على مصدر منتزع من الأول ، وهو قام ، أي : ما يكون قيام فنطق. فحكم النفي منسحب على القيام والنطق.
فالنطق في المعنى منفيّ فيصح الاستثناء المفرغ فيه. ونظيره : ما تأتينا فتحدثنا ، بالنصب ، أي : ما يكون منك إتيان فتحديث على نفي المركب ، أي : ما يكون منك إتيان كثير ، ولا تحديث عقيبه.
وهذا نص سيبويه في باب الفاء ، قال : وتقول ما أتيتنا فتحدثنا ، والنصب فيه كالنصب في الأول ، وإن شئت رفعت على معنى فأنت تحدثنا الساعة. والرفع فيه يجوز على ما.