أحسن ذلك قلب الكلام إذا لم يشكل فمن ذلك قوله (١) :
ترى الثور فيها مدخل الظّلّ رأسه |
|
وسائره باد إلى الشمس أجمع |
فالمعنى : مدخل رأسه الظلّ ولكن جعل الظلّ مفعولا على السعة وأضاف إليه والنحويون يجيزون مثل هذا في غير ضرورة فيقولون :
يا سارق الليلة أهل الدار
فأمّا الذي يبعد فنحو قوله :
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت |
|
نجران أو بلغت سوآتهم هجر |
فجعل (هجر) في اللفظ هي التي تبلغ السوآت ؛ لأن هذا لا يشكل ولا يحيل والفرق بين هذا وبين البيت الذي قبله أنّ ذاك قدّم فيه المفعول الثاني على المفعول الأول وهو غير ملبس فحسن ؛ لأنه يجوز أن تضيف (مدخل) إلى (رأسه) ولا تذكر (الظلّ) وتضيفه إلى (الظلّ) ولا تذكر (رأسه) وهذا خلاف ذلك لأنك جعلت الفاعل فيه مفعولا والمفعول فاعلا وينشدون في مثله :
وتشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر
وإنّما يشقى الرجال وقد يحتمل المعنى غير ما قالوا (قد شقى الخزّ بفلان) إذ لم تجعله أهلا له فهذا على السعة والتمثيل يكون المعنى : قد شقي الرمح بأبدان هؤلاء وكقولهم : أتعبت سيفي في رقاب القوم إني فعلت به ما إذا فعل بمن يجوز عليه التّعب تعب.
فأمّا قول الله عز وجلّ : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] فقد احتمله قوم على مثل هذا وقالوا : إنّما العصبة تنوء بالمفاتيح وتحملها في ثقل.
قال أبو العباس : وليس هكذا التقدير إنّما التقدير : لتنوء بالعصبة : أي : تجعل العصبة مثقلة كقولك : انزل بنا أي : اجعلنا ننزل معك وكقولك : ارحل بنا يا فلان أي : اجعلنا نرحل معك ومثله قول ابن الخطيم :
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، أضاف فيه الشاعر مدخل إلى الظل ، وكان الوجه أن يضيف مدخل إلى الرأس.