وقد كان بعض مشايخ البصريين يقول : إنّ الألف واللام هاهنا ليستا في معنى (الذي) وأنّهما دخلتا كما تدخل على الأسماء للتعريف وأجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجز أن يعمل ما دخلت عليه في شيء فيحتاج فيه إلى عامل فيها.
قال أبو بكر : وأنا أظن أنه مذهب أبي العباس يعني أنّ الألف واللام للتعريف والذي عندي فيه أنّ التأويل : (وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين) فحذف (زاهدين) وبينه بقوله : (مِنَ الزَّاهِدِينَ)(١) وهو قول الكسائي ولكنه لم يفسر هذا التفسير وكان هو والفراء لا يجيزانه إلا في صفتين في (من وفي) فيقولان : (أنت فينا من الراغبين وما أنت فينا من الزاهدين) ، وأما (أن) فنحو قولك : (أن تقيم الصلاة خير لك) لا يجوز أن تقول : (الصلاة أن تقيم خير لك) ولا تقدم (تقيم) على (أن) وكذلك لو قلت : (أن تقيم الصلاة الساعة خير لك) لم يجز تقديم (الساعة) على (أن) وكذلك إذا قلت : (أأن تلد ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم أنثى) لم يجز أن تقول : أذكرا أأن تلد ناقتكم أحبّ إليكم أم أنثى ؛ لأن (ذكرا) العامل فيه (تلد) وتلد في صلة (أن) وكذلك المصادر التي في معنى (أن نفعل) لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها لو قلت : أولادة ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم ولادتها أنثى ما جاز أن تقدم (ذكرا) على (ولادة) وكل ما كان في صلة شيء من اسم أو فعل مما لا يتمّ إلا به فلا يجوز أن نفصل بينه وبين صلته بشيء غريب منه لو قلت : (زيد نفسه راغب فيكم) لم يجز أن تؤخر (نفسه) فتجعله بين (راغب) و (فيكم) فتقول : زيد راغب نفسه فيكم ، فإن جعلت (نفسه) تأكيدا لما في (راغب) جاز.
شرح الثاني : توابع الأسماء :
وهي الصفة والبدل والعطف لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف ولا أن تعمل الصفة فيما قبل الموصوف ولا تقدم شيئا بصيغة المجهول مما يتصل بالصفة على الموصوف وكذلك البدل إذا قلت : مررت برجل ضارب (زيدا) لم يجز أن تقدم (زيدا) على (رجل)
__________________
(١) قال أبو إسحاق : ليست (فيه) داخلة في الصلة ، ولكنها تبيين. أي : زهادتهم فيه. وحكى سيبويه ، والكسائي : زهدت فيه وزهدت. بكسر الهاء وفتحها. [إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ٢ / ١٩٧].