وكذلك إذا قلت : (هذا رجل يضرب زيدا) لم يجز أن تقول (هذا زيدا رجل يضرب) ؛ لأن الصفة مع الاسم بمنزلة الشيء الواحد وكذلك كل ما اتصل بها فإذا قلت : (عبد الله رجل يأكل طعامك) لم يجز أن تقدم (طعامك) قبل (عبد الله) ولا قبل (رجل).
والكوفيون يجيزون إلغاء (رجل) فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون : (طعامك عبد الله رجل يأكل) لا يعتدون برجل وتقديره عندهم (طعامك عبد الله يأكل) وإلغاء هذا غير معروف وللإلغاء حقوق سنذكرها إن شاء الله ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أن تجعل (رجلا) بدلا من (عبد الله) ترفعه بالابتداء وتجعل (يأكل) خبرا فحينئذ يصلح تقديم (طعامك) ، وأما البدل فلا يتقدم على البدل منه وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الاسم المبدل منه.
وأما العطف فهو كذلك لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه وكذلك ما اتصل به والذين أجازوا من ذلك شيئا أجازوه في الشعر ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولا لزال الكلام عن جهته فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نسق به عليه وقالوا : إذا لم يكن شيء يرفع لم يجز تقديم الواو والبيت الذي أنشدوه :
عليك ورحمة الله السّلام (١) ...
__________________
(١) ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام
لما تقدم في البيت قبله ، بدليل العطف عليه. فإن قوله" ورحمة الله" عطف على الضمير المستكن في" عليك" الراجع إلى" السّلام" ، لأنه في التقدير : السّلام حصل عليك ، فحذف حصل ونقل ضميره إلى عليك واستتر فيه. ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه.
وبهذا البيت سقط قول ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ. قال ابن هشام في المغني : " قول ابن خروف مخالف لإطلاقهم ولقول ابن جني في هذا البيت : إن الأولى حمله على العطف على ضمير الظرف لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه. قد اعترض بأنه تخلص من ضرورة بأخرى ، وهو العطف مع عدم الفصل ، ولم يعترض بعدم الضمير. وجوابه : أن عدم الفصل أسهل لوروده في النثر ، كمررت برجل سواء والعدم ، حتى قيل : إنه قياس".