الحروف نظير أرى في الأفعال ومن ذلك إن تأتني إذن آتك ؛ لأن الفعل جواب : إن تأتني ، فإن تم الكلام دونها جاز أن تستأنف بها وتنصب ويكون جوابا ، وذلك نحو قول ابن عنمة :
أردد حمارك لا تنزع سويّته |
|
إذن يردّ وقيد العير مكروب (١) |
فهذا نصب ؛ لأن ما قبله من الكلام قد استغنى وتمّ ألا ترى أنّ قوله : اردد حمارك لا تنزع سويته كلام قد ثمّ ثم استأنف كأنه أجاب من قال : لا أفعل ذاك فقال :
إذن يردّ وقيد العير مكروب
فإن كان الفعل الذي دخلت عليه (إذن) فعلا حاضرا لم يجز أن تعمل فيه ؛ لأن أخواتها لا يدخلن إلا على المستقبل ، وذلك إذا حدثت بحديث فقلت : إذن أظنه فاعلا وإذن أخالك كاذبا ، وذلك لأنك تخبر عن الحال التي أنت فيها في وقت كلامك فلا تعمل (إذن) ؛ لأنه موضع لا تعمل فيه أخواتها فإذا وقعت (إذن) بين الفاء والواو وبين الفعل المستقبل فإنك فيها بالخيار : إن شئت أعملتها كإعمالك أرى وحسبت إذا كانت واحدة منها بين اسمين ، وإن شئت ألغيت فأما الإعمال فقولك : فإذن آتيك فإذن أكرمك.
قال سيبويه : وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف : (وإذن لا يلبثوا (خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٦] ، وأما الإلغاء فقولك : فإذن أجيئك ، وقال عز وجل : فإذن (لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء : ٥٣].
واعلم أنه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بسوى إذن وهي تلغى وتقدم وتؤخر تقول : إذن والله أجيئك فتفصل والإلغاء قد عرفتك إياه وتقول : أنا أفعل كذا إذن
__________________
(١) على أنه يجوز على مذهب الكسائي أن يكون لا يرتع مجزوما بكون لا فيه للنهي ، لا أنه جواب الأمر.
ويرد مجزوما لا منصوبا بكونه جوابا للنهي ، كما هو مذهبه في نحو : لا تكفر تدخل النار. فيكون المعنى لا يرتع ، إن يرتع يرد. وعند غيره : يرد منصوب ، وإذن منقطع عما قبله مصدر ، كأن المخاطب قال : لا أزجره.
فأجاب بقوله : إذن يرد.
أقول : يكون لا يرتع على قول الكسائي بدلا من ازجر ، وهو أوفى من الأول في تأدية المعنى المراد. انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٤٦.