يوقعون المفعول إلا حيث يصلح لناصبه أن يقعه فلما لم يجز أن يتقدم الفعل على ما لم يجز أن يتقدم ما عمل فيه الفعل والفرق بين (ما) وبين (لم ولن) : أنّ (لن ولم لا يليهما إلا الفعل فصارتا مع الفعل بمنزلة حروف الفعل).
وأجاز البصريون : (ما طعامك آكل إلّا زيد) وأحالها الكوفيون إلا أحمد بن يحيى.
ومن ذلك (لا) التي تعمل في النكرة النصب وتبنى معها لا تكون إلا صدرا ولا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها وهي مشبهة (بإنّ) وإنما يقع بعدها المبتدأ والخبر فكما لا يجوز أن تقدم ما بعد (إنّ) عليها كذلك هي والتقديم فيما أبعد ؛ لأن (إنّ) أشبه بالفعل منها فأما (لا) إذا كانت تلي الأسماء والأفعال وتصرفت في ذلك ولم تشبه (بليس) فلك التقديم والتأخير تقول : (أنت زيدا لا ضارب ولا مكرم) وما أشبه ذلك ومن ذلك (إن) التي للجزاء لا تكون إلا صدرا ولا بدّ من شرط وجواب فالجزاء مشبه بالمبتدأ والخبر إذ كان لا يستغنى أحدهما عن الآخر ولا يتم الكلام إلا بالجميع فلا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها لا يجوز أن تقول : (زيدا إن تضرب أضرب) بأي الفعلين نصبته فهو غير جائز ؛ لأنه إذا لم يجز أن يتقدم العامل لم يجز أن يتقدم المعمول عليه وأجاز الكسائي أن تنصبه بالفعل الأول ولم يجزها أحد من النحويين وأجاز هو والفراء أن يكون منصوبا بالفعل الثاني.
قال الفراء : إنما أجزت أن يكون منصوبا بالفعل الثاني ، وإن كان مجزوما ؛ لأنه يصلح فيه الرفع وأن يكون مقدما فإذا قلت : (إن زيدا تضرب آتك) فليس بينهم خلاف (وتضرب جزم) إلا أنهم يختلفون في نصب (زيد) فأهل البصرة يضمرون فعلا ينصب وبعضهم ينصبه بالذي بعده وهو قول الكوفيين وأجازوا : (إن تأتني زيدا أضرب) إلا أنّ البصريين يقولون بجزم الفعل بعد (زيد) وأبى الكوفيون جزمه وكان الكسائي يجيز الجزم إذا فرق بين الفعلين بصفة نحو قولك : (إن تأتني إليك أقصد).
فإذا فرق بينهما بشيء من سبب الفعل الأول فكلهم يجزم الفعل الثاني.