لمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة ، ومرَّ هو ومن معه بخيمَتَي أمّ معبد الخزاعيَّة وهي قاعدة بفناء الخيمة ، فسألوها تمراً أو لحماً يشترون ، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك ، وإذا القوم مُرْمِلون (١) مسنتون (٢) ، فقالت : والله لو كان عندنا شيءٌ ما أعوزكم القِرى.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كِسْر الخيمة ، فقال : «ما هذه الشاة يا أمَّ معبد؟».
قالت : هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم.
فقال : «هل بها من لبن؟».
قالت : هي أجهد من ذلك.
قال : «أتأذنين لي أن أحلبها؟».
قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حَلْباً.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها ، وذكر اسم الله ، وقال : «اللهمَّ بارك لها في شاتها».
قال : فتفاجّت (٣) ودرّت واجترّت (٤). فدعا بإناء لها يريض (٥) الرهط ، فحلب فيه ثجّا (٦) حتى غلبه الُثمال (٧) ؛ فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى
__________________
(١) نفد زادهم وافتقروا. (المؤلف)
(٢) مجدبون. (المؤلف)
(٣) من التفاجّ : هو المبالغة في تفريج ما بين الرجلين ، وهو من الفجّ أي الطريق. (المؤلف)
(٤) من الجرّة ، وهي ما يخرجه البعير من بطنه فيمضغه ثانياً. (المؤلف)
(٥) أي يرويهم حتى يناموا ويأخذوا راحتهم. (المؤلف)
(٦) ثجَّ الماء ثجوجا : سال. (المؤلف)
(٧) الثمال ـ بضم الثاء ـ واحده ثمالة : الرغوة. وما بقي في الإناء من ماء وغيره. (المؤلف)