ثم مركز الأهواء والملل والآراء والنحل.
ثانياً : قد عرفت فيما سبق أنّ زيداً الثائر من مواليد عام ٦٧ هـ ، وواصل بن عطاء من مواليد ٨٠ هـ. فهو أكبر منه بكثير. فلو صحّ أن يتتلمذ على أحد في العراق فيجب أن يتتلمذ على شيخ واصل ، الحسن البصري ، في البصرة أو يتتلمذ على شيخه في المدينة المنورة وهو أبو هاشم ابن محمد الحنفية أُستاذ واصل. وبعد ذلك كله ، فلم يكن عند واصل شيء بديع قصرت عنه يد زيد. فإنّه أخذ ما أخذ عن أبي هاشم ، كما حققناه في الجزء الثالث (١) من تلك الموسوعة ، فالذي شهّر واصل في الأوساط الاِسلامية هو القول بالتوحيد والعدل والتركيز على كون الاِنسان مختاراً ، ورد القضاء والقدر بالمعنى السالب عن الاِنسان الاختيارَ والحريةَ وهو قد أخذه من أبي هاشم وهو عن أبيه ، وهو عن وصي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير الموَمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فربيب البيت الهاشمي ، أعني : زيداً ، كان غنياً عن التوسل بواصل في معرفة ما كان يجده في بيته العامر بالعلم والمعرفة.
وثالثاً : لم يذكر أحد من الموَرخين ولا أصحاب المقالات تتلمذ زيد على واصل قبل الشهرستاني وإنّما انفرد هو بذلك وتبعه غيره ، فلا تجد منه أثراً في فرق الشيعة للنوبختي ، ولا في مقالات الاِسلاميين للأشعري ، ولا الفرق بين الفرق للبغدادي ولا لابن حزم في الفصل. وعلى ذلك فلا يركن إلى كلام تفرد به الشهرستاني البعيد عن بيئة زيد وعصره ، وقد استشهد الاِمام في أوائل القرن الثاني ، وتوفي الشهرستاني عام ٥٤٨ هـ.
هذا هو الحقّ القراح الذي لا مرية فيه ، ولا أظن بزيد ولا بإنسان دونه تربّى في أحضان البيت النبوي ، أن يتتلمذ في الأصول والعقائد على أمثال واصل ، صنيع أبي هاشم في المدينة ، ثم الحسن البصري في البصرة ، والمتفردّ بآراء وعقائد لا
__________________
١ ـ السبحاني : بحوث في الملل والنحل : ٣ / ١٨٩.