وبملاحظة هذين الأمرين يعلم أنّه لم يكن للاِمام بد من الاِبهام في الكلام بشكل تفهم البطانة موقفه من استشهاده ويتحيّر الأجانب فيه ، وهذا هو السبب لوجود الاِبهام والاِعجام في كلامه.
ففي موقف يبكي على عمّه ويسيل دموعه على خديه ، وتبكي من كانت وراء الستار من الهاشميات ، يُعرِّف عمّه شهيداً ويعرّف الشهداء في موكبه كالشهداء الذين أراقوا دماءهم مع رسول اللّه وعلي والحسين عليهمالسلام وربما يزيد على ذلك ويقول : « إنّ الباكي على زيد معه في الجنّة والشامت له شريك في دمه » إلى غير ذلك من الاِطراء والثناء على عمّه والذين استشهدوا في طريقه (١).
وفي موقف آخر يتظاهر بالابتعاد عن خروج زيد واستشهاده ، فكل من يرد عليه من الكوفة يسأله عن عمه ويكرر السوَال ، وكأنّه لم يكن مطلعاً عما جرى عليه من المصائب ، كل ذلك كان ضرباً من التدبير للاِمام عليهالسلام فأي رضى أولى من دعائه على الحكيم بن عباس الذي أنشأ شعراً في حقّ زيد ، وقال :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة |
|
ولم أر مهدياً على الجذع يصلب |
فرفع الصادق عليهالسلام يديه إلى السماء وهما ترتعشان ، وقال : « اللهم إن كان عبدك كاذباً فسلط عليه كلبك » (٢).
إنّ بقاء الاِسلام رهن دعامتين :
الأولى : التعليم والتربية وتثقيف الأمّة ووعيها وتعليم الكتاب والسنة وغير ذلك مما يرجع إلى الثقافة الاِسلامية العامة.
الثانية : إصلاح المجتمع والحفاظ على البيئة وتفويض الأمر إلى صلحاء
__________________
١ ـ أُنظر إلى الروايات الواردة تحت « عنوان موقف الأئمّة من استشهاده » في هذا الجزء.
٢ ـ مضى مصدره في ص ١٩٧ ، الرواية السادسة ، فراجع.