أقول : ما ذكره شنشنة أعرفها من كل سلفي يرى الجهاد والكفاح على الظلم والعدوان ، أمراً محرّماً ، والحياة مع الظالمين ومهادنتهم أمراً مشروعاً وسعادة ، فهم حماة الذلّ ، ودعاة الهوان ، وأين هم من أُباة الظلم والضيم.
ومن أُصول الطائفة الأولى : الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم ، من عدل أو جور ، ولا يخرج عليهم بالسيف وإن جاروا (١) وماذكره على طرف الخلاف مع ما حدّثه السبط الشهيد عن جده رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك عندما اقترب من الكوفة استقبله الحر بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثاً من الوالي عبيد اللّه ابن زياد لاِكراه الحسين على إعطاء البيعة ليزيد ، وإرساله قهراً إلى الكوفة ، فعند ذلك قام الاِمام وخطب بأصحابه وأصحاب الحُرّ بقوله : أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من رآى سلطاناً جائراً مستحلاً حُرَمَ اللّه ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه ، يعمل في عباده بالاِثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على اللّه أن يُدخله مدخله ، ألا وإنّ هوَلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام اللّه ، وحرّموا حلاله ... » (٢).
كيف يكون جهاده هفوة ، مع أنّ الرسول الأعظم تنبّأ به وأثنى عليه عندما نظر يوماً إلى زيد بن حارثة وبكى وقال : المظلوم من أهل بيتي ، سميّ هذا ، المقتول في اللّه ، المصلوب من أُمتي سميّ هذا ، ثم قال : ادنُ منّي يازيد ـ زادك اللّه حباً عندي ـ بإنّك سميّ الحبيب من ولدي (٣). وقد بكى الوصي وأبكى ، أفيصح العزاء والبكاء على السقطة والزلة.
__________________
١ ـ أبو الحسين الملطي : التنبيه والرد : ١٥.
٢ ـ الطبري : التاريخ : ٤ / ٣٠٤.
٣ ـ أخرجه السيوطي في الجامع الكبير كما في الروض النضير : ١ / ١٠٨.