وما أحسن قول أخي الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول اللّه فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب فإنّك مقتول؟ فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى |
|
إذا مانوى حقاً وجاهد مسلما |
و واسى الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مثبوراً وخالف مجرما |
فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلم |
|
كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما (١) |
ما عشت أراك الدهر عجبا :
لا أظنّ من قرأ صحائف حياة الملك الأموي « هشام بن عبد الملك » يشك في أنّه كان دموياً سفّاكاً ، لا يرى لدم الاِنسان أيّة قيمة إذا ظنّ ولو واحداً بالمائة ، إنّه يريد خلافه ، وقتل زيد وصلبه وإبقاء جثمانه الطاهر على الخشبة أربع أو ست سنوات ، ثم حرقه ونسفه وذروه في الرياح والمياه ، دليل واضح على أنّ الرجل بلغ في القسوة غايتها.
ومع ذلك كله ترى أنّ ابن سعد جاء في الطبقات ما يضيق به الاِنسان ذرعاً يقول : أخبرنا محمد بن عمر قال : أخبرنا سحبل بن محمد قال : ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء ولا أشدّ عليه من هشام بن عبد الملك وقد دخله من مقتل زيد بن علي ويحيى بن زيد أمر شديد وقال : وددت أنّي كنت افتديتهما.
ثم ينقل عن أبي الزناد : ما كان فيهم أحد أكره إليه الدماء من هشام بن عبد الملك ولقد ثقل عليه خروج زيد بن علي ، فما كان شيء حتى أتى برأسه ، وصلب بدنه بالكوفة. ولي ذلك يوسف بن عمر في خلافة هشام بن عبد الملك (٢).
أقول : نعم ولي ذلك يوسف بن عمر لكن بأمر منه حتى أنّ عامله في
____________
١ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٢٥.
٢ ـ ابن سعد : الطبقات الكبرى : ٥ / ٣٢٦.