وقد تكلّم فيمن تكلّم عامر بن واثلة الكناني ، فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه : أما بعد فإنّ الحجاج واللّه ما يرى بكم إلاّ ما رأى القائل الأوّل إذ قال لأخيه : إحمل عبدك على الفرس ، فإن هلك هلك وإن نجا فلك ، إنّ الحجاج واللّه ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب ، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد ، وحاز المال ، وكان ذلك زيادة في سلطانه ، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذين لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم ، اخلعوا عدوّ اللّه الحجاج وبايعوا عبد الرحمن فإنـّي أُشهدكم أنـّي أوّل خالع ، فنادى الناس من كل جانب : فعلنا ، فعلنا قد خلعنا عدوّ اللّه.
وقام عبد الموَمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانياً وكان على شرطته حين أقبل فقال : عباد اللّه إنّكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم مابقيتم ، وجمّركم تجمير فرعون الجنود فإنّه بلغني أنّه أوّل من جمّر البعوث ، ولن تعاينوا الأحبة فيما أرى أو يموت أكثركم. بايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم ، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه فقال : تبايعوني على خلع الحجاج عدوّ اللّه وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه اللّه من أرض العراق فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء.
ثم إنّه خرج عبد الرحمن من سجستان مقبلاً إلى العراق فلمّا دخل فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك ، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة نبيّه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلّين.
ثم بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين عبد الرحمن وجنود الحجاج ، دخل عبد الرحمن البصرة ، وبايعه الناس من كهولها وقرائها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان ذلك في آخر ذي الحجّة من سنة ٨١ هـ ، فصارت الحرب في