الحقيقة بين الشاميين يرأسهم الحجاج ، والعراقيين يقودهم عبد الرحمن.
مضى ابن الأشعث إلى جانب الكوفة والحجاج خلف عبد الرحمن إلى أن حصل التقابل بين الجندين في دير الجماجم (١) فلمّا حمل أهل الشام على العراقيين ناداهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى الفقيه ، فقال : يا معشر القرّاء إنّ الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم ، إنـّي سمعت عليّاً رفع اللّه درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصدّيقين ، يقول يوم التقينا أهل الشام : « أيّـها الموَمنون إنّه من رأى عدواناً يعمل به ، ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه ، فقد سلم ، وبرىَ ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكر بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونوّر قلبه باليقين ، فقاتلوا هوَلاء المحلّين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.
وقال أبو البختري : أيّـها الناس قاتلوهم على دينكم ودنياكم ، فواللّه لئن ظهروا عليكم ليفسدنّ عليكم دينكم وليغلبنّ على دنياكم.
وقال الشعبي : يا أهل الاِسلام قاتلوهم ولا يأخذكم حرج من قتالهم فواللّه ما أعلم قوماً على بسيط الأرض أعمل بظلم ، ولا أجور منهم في الحكم فليكن بهم البدار.
وقال سعيد بن جبير : قاتلوهم ولاتأثموا من قتالهم بنيّة ويقين وعلى آثامهم ، قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبّـرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاح (٢).
__________________
١ ـ دير الجماجم : بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البرّ للسالك إلى البصرة قال أبو عبيدة : الجمجمة : القدح من الخشب وبذلك سمُيَ دير الجماجم لأنّه يعمل فيه الأقداح من الخشب (معجم البلدان : ٢ / ٥٠١).
٢ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ١٤٥ ـ ١٦٣.