وكان بديناً ، فوقف في بعض الدرجة ، فسمعه يقول : واللّه لا يحب الدنيا أحد إلاّ ذلّ. ثم صعد إلى هشام فحلف له على شيء ، فقال : لا أُصدقك ، فقال : يا أمير الموَمنين إنّ اللّه لم يرفع أحداً عن أن يرضى باللّه ، ولم يضع أحداً عن ألاّ يرضى بذلك منه. فقال هشام : لقد بلغني يازيد أنّك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هنالك وأنت ابن أمة. قال زيد : إنّ لك جواباً. قال : فتكلم. قال : إنّه ليس أحد أولى باللّه ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه ، وقد كان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة فاختاره اللّه عليه وأخرج منه خير البشر ، وما على أحد من ذلك إذ كان جده رسول اللّه وأبوه علي بن أبي طالب ما كانت أُمّه. قال له هشام : أُخرج. قال : أخرجُ ثم لا أكون إلاّ بحيث تكره. فقال له سالم : يا أبا الحسين لاتظهرن هذا منك.
فخرج من عنده وسار إلى الكوفة ، فقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : أُذكّرك اللّه يازيد لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة ، فإنّهم لا يفون لك ، فلم يقبل. فقال له : خرج بنا أُسراء على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق إلى قيس ثقيف يلعب بنا ، وقال :
بَكُرَت تخوّفني الحُتوف كأنّني |
|
أصبحت عن عرض الحياة بمعزل (١) |
إلفات نظر :
يظهر من الجزري أنّ زيداً دخل الشام مرتين وقابل فيهما هشاماً ، أحدهما : لأجل تحضير هشام إيّاه من المدينة وتسييره إلى يوسف بن عمر في قضية خالد بن عبد اللّه القسـري ، وأُخرى : بعد النزاع في تولية الأوقاف ، وسياق كلام الجزري هو أنّ الرحلة الثانية كانت عقيب ذلك الحدث وذلك لأنّه بعد ما فرغ من الكلام في النزاع في المدينة ، قال :
____________
١ ـ ابن الأثير الجزري : ٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣٣.