اللّه ؛ بمعنى أنّه خلقها ، ولا أنّه أمر بها ، وأمّا أنّه تعالى عالم بها فهو تعالى عالم بها ، لأنّها من جملة المعلومات ، وعِلْمُه بها لم يحمل العبد على فعلها ، ولم يجبره على صنعها كما تقدم.
فصل [ في أنّ اللّه لا يكلف أحداً فوق طاقته ]
فإن قيل : هل ربك يُكلّف أحداً فوق طاقته؟
فقل : لا ، بل لا يكلف أحداً إلاّ ما يطيق ؛ لأنّ تكليف ما لا يطاق قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح ، فقد قال تعالى : « لأ يُكَلّفُ اللّه ُنَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا » [ البقرة : ٢٨٦ ] ، والوسع : دون الطّاقة ، وقال : « إلاّ مَا آتَاهَا » [ الطلاق : ٧ ].
فصل [ في أنّ اللّه لا يريد شيئاً من القبائح ] (١).
فإن قيل : أربك يريد شيئاً من القبائح؟
فقل : إنّه تعالى لا يريد شيئاً منها ، فلا يريد الظلم ، ولا يرضى الكفر ، ولا يحب الفساد ، لأنّ ذلك كله يرجع إلى إرادة القبيح ، وإرادة القبيح هي قبيحة ، وهو تعالى لا يفعل القبيح.
ألا ترى أنّه لو أخبرنا مُخبرٌ ظاهرهُ العدالة ، بأنّه يريد الزنا والظلم لسقطت عدالته ، ونقصت منزلته ، عند جميع العقلاء ، ولا علّة لذلك إلاّ أنّه أتى قبيحاً ، وهو إرادة القبيح.
وقد قال تعالى : « وَاللّه لأ يُحِبُّ الفَسَادَ » [ البقرة : ٢٠٥ ].
وقال : « وَلأيَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ » [ الزمر : ٧١ ].
وقال : « ومَا اللّهُ يُريدُ ظُلماً للعِبادْ » [ غافر : ٣١ ].
__________________
١ ـ مضى الكلام فيه في التعليقة السابقة.