فصل [ في الشفاعة ]
فإن قيل : ما تقول في الشفاعة؟
فقل : أدين اللّه تعالى بثبوتها يوم الدين ، وإنما تكون خاصة للموَمنين (١) ـ دون من مات مصـرّاً من المجرمين على الكبائر ـ ليزيدهم نعيماً إلى نعيمهم ، وسروراً إلى سرورهم ، ولمن ورد العَرْضَ وقد استوت حسناته وسيئاته ، فيشفع له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ليرقى درجة أعلى من درجة غير المكلفين من الصبيان والمجانين ، وإنّما قلنا : إنّه لا بد من ثبوتها ، لقوله تعالى : « عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً » [ الاِسراء : ٧٩ ] ، قيل : هو الشفاعة ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كذب بالشفاعة لم ينالها يوم القيامة ».
وأمّا أنّها تكون لمن ذكرناها ، فلقوله تعالى : « مَا لِلظّالمينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلأشَفِيعٍ يُطَاعُ » [ غافر : ١٨ ] ، « مَا لِلظّالِمينَ مِنْ أنْصَار » [ البقرة : ٢٧٠ ] ، وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي » ، وقوله تعالى : « وَلأيَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى » [ الأنبياء : ٢٨ ] كل ذلك يدلُّ على ما قلنا.
وتم بذلك ما أردنا ذكره للمسترشدين ، تعرّضاً منّا لثواب ربّ العالمين ، ربّنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب. وصلّ اللّهم وسلم على محمد صفيك وخاتم أنبيائك ، وعلى آله سفن النجاة آمين. وتوفنا مسلمين آمين اللّهمّ آمين.
__________________
١ ـ أراد بالموَمنين العدول وعند الاِمامية يعم العادل والفاسق وقد بينا الدليل في الجزء الثالث عند الكلام في الشفاعة عند المعتزلة.
وهذه المواضع الثلاثة ، هي من مواضع الاتفاق بين المعتزلة والزيدية.