« يابني أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب في الكناسة! » قلت : بأبي أنت وأُمي أيّ كناسة؟ قال : « كناسة الكوفة ». قلت : جعلت فداك ويكون ذلك؟ قال : « أي واللّه إن عشت بعدي لترينّ هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً في الكناسة ثم ينزل فيحرق ويدق ويذرى في البر ».
قلت : جعلت فداك وما اسم هذا الغلام؟ قال : « زيد ». ثم دمعت عيناه ، ثم قال : « ألا أُحدثك بحديث ابني هذا ، بينما أنا ليلة ساجد وراكع ، ذهب بي النوم فرأيت كأنّي في الجنة ، وكأنّ رسول اللّه وعلياً وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ قد زوّجوني جارية من الحور العين ، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى وَوَلِّيت ، وهاتف يهتف بي : لِيُهنَّك زيد ، ليهنّك زيد ، ليهنّك زيد. فاستيقظت فأصبت جنابة ، فقمت فتطهرت وصليت صلاة الفجر ، فدقّ الباب وقيل لي : على الباب رجل يطلبك. فخرجت فإذا أنا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده ، مخمرة بخمار ، فقلت : ما حاجتك؟ فقال : أُريد علي بن الحسين. فقلت : أنا علي بن الحسين. قال : أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي وهو يقرئك السلام ويقول : وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك (١) ودفع إليّ كتاباً ، فأدخلت الرجل والجارية وكتبت له جواب كتابه ، وقلت للجارية : ما اسمك؟ قالت : حوراء. فهيّوَوها لي وبتُّ بها عروساً فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيداً ، وهو هذا ، وسرّي ما قلت لك ».
__________________
١ ـ روى ابن الأثير : أنّ المختار وجد في بيت المال تسعة آلاف ألف فقسّمها بين أصحابه (الكامل : ٤ / ٢٢٦) ولعله عند ذاك بعث بهذه الدنانير إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فيكون عام الاِهداء هو عام الخروج.