فإنّ إيقاع الطّلب على المثل أوقع من إيقاعه على ضميره لو قال : طلبنا لك مثلا فلم نجده. وقال بعض أهل العصر : [الطويل]
إذا برقت يوما أسرّة وجهه |
|
على النّاس قال النّاس جلّ المصوّر |
وأمّا ما يكاد يصل إلى حدّ الوجوب ، فمثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) [الأحزاب : ٥٠] إلى قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) [الأحزاب : ٥٠] ، إنّما عدل عن الإضمار إلى التصريح وكرر اسمه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تنبيها على أنّ تخصيصه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بهذا الحكم ، أعني النّكاح بالهبة عن سائر الناس ، لمكان النبوّة ، ولكبير اسمه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تنبيها على عظمة شأنه وجلالة قدره إشارة إلى علّة التّخصيص ، وهي النّبوة.
ومن التحقير : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ٥٩] دون (عليهم) ، (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٨٨] ، أضمر هنا ثمّ لما أراد المبالغة في ذمّهم صرّح في الآية الثانية والثالثة بكفرهم فقيل : (... فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] ، (... وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [البقرة : ٩٠] ، وأمثاله كثير.
إذا تقرّر هذا الأصل فنقول : لما كان أهل هذه القرية موصوفين بالشيخ الغالب ، واللؤم اللّازب بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم : «كانوا أهل قرية لئاما» (١) وقد صدر منهم في حقّ هذين العبدين الكريمين على الله ما صدر من المنع بعد السؤال ، كانوا حقيقين بالنداء عليهم بسوء الصّنيع ، فناسب ذلك التصريح باسمهم ، لما في لفظ الأهل من الدّلالة على الكثرة ، مع حرمان هذين الفقيرين من خيرهم مع استطعامهما إياهم ، ولما دلّ عليه حالهم من كدر قلوبهم ، وعمى بصائرهم ، حيث لم يتفرّسوا فيهما ما تفرّسه صاحب السّفينة في قوله : «أرى وجوه الأنبياء» (٢). هذا ما يتعلق بالمعنى.
وأما ما يتعلق باللفظ : فلما في جمع الضميرين في كلمة واحدة من الاستثقال ؛ فلهذا كان قليلا في القرآن المجيد. وأما قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] وقوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨] فإنّه ليس من هذا القبيل ؛ لأنّه عدول عن الانفصال إلى الاتّصال الذي أخصر. وعند فكّ الضمير لا يؤدّى إلى التصريح باسم ظاهر ، بل يقال فسيكفيك إياهم الله ، وأنلزمكم إيّاها ، فكان الاتصال أولى لأنّه أخصر ، ومؤدّاهما واحد بخلاف مسألتنا. ثم هنا سؤالات.
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ١١٩).
(٢) انظر تفسير ابن كثير (٥ / ٣٠٥).