بعضهم لجاز باتّفاق» ، وإذا جعلت قائما حالا من هو فالعامل في الحال معنى النفي ، لأن الأحوال تعمل فيها المعاني كما تعمل في الظروف ، فيكون التقدير : شهد الله أنّ الرّبوبيّة ليست إلّا له في حال قيامه بالقسط ، فهذان الوجهان صحيحان.
فأمّا كونه حالا من الضمير المنصوب بأنّ أو من الضمير الذي في خبر التبرئة المحذوف فكلاهما خطأ لا يجوز.
أمّا امتناعه من أن يكون حالا من الضمير المنصوب بأنّ فلعلّتين :
إحداهما : أنّ أنّ المفتوحة تقدّر هي وما عملت فيه بتقدير المصدر ، وما بعدها من اسمها وخبرها صلة لها ، فإن جعلت قائما حالا من اسمها كان داخلا في الصلة ، فتكون قد فرّقت بين الصّلة والموصول بما ليس من الصلة وذلك مستحيل.
والعلة الثانية : أنّك إن جعلته حالا من اسم أنّ لزمك أن تعمل أنّ في الحال ، وأنّ لا تعمل في الأحوال شيئا ولا في الظروف ، فإن قلت : قد قال النابغة الذبياني : [البسيط]
٥٧٨ ـ كأنّه خارجا من جنب صفحته |
|
[سفّود شرب نسوه عند مفتأد] |
فنصب على الحال من اسم كأنّ وجعل العامل فيها ما في كأنّ من معنى التشبيه ، فهلّا أجزت مثل ذلك في أنّ فالجواب : أنّ ذلك إنّما يجوز عند البصريين في كأنّ وليت ولعلّ خاصّة ، لأنّ هذه الأحرف الثلاثة أبطلت معنى الابتداء ممّا يدخل عليه ، وأحدثت في الكلام معنى التّمنّي والتّرجّي والتشبيه فأشبهت الأفعال ، فإن قيل : فإنّ المفتوحة تدخل على الجملة فتصرفها إلى تأويل المصدر ، ألا ترى أنّك تقول : بلغني أنّك قائم فيكون معناه : بلغني قيامك؟ فهلّا أعملت في الحال ما فيها من تأويل المصدر؟ فالجواب : أنّ ذلك خطأ لأنّ المصدر الذي تقدّر به أنّ المفتوحة إنّما ينسبك منها ومن صلتها التي هي اسمها وخبرها ، فإذا جعلت قائما حالا من اسمها كان داخلا في صلتها ، فيلزمك من ذلك أن يعمل الاسم في نفسه ، وذلك محال ، فلهذا الذي ذكرناه استحال أن ينتصب «قائما» على الحال من اسم أنّ.
فأمّا امتناعه من أن يكون حالا من الضمير المقدّر في خبر التبرئة المحذوف فمن أجل أنّ المراد بالنفي العموم والاستغراق على ما قدّمناه ، فإذا جعلته حالا من
__________________
٥٧٨ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ١٩) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٨٥) ، والخصائص (٢ / ٢٧٥) ، ولسان العرب (فأد) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ١٩٦) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٢٢١) ، وكتاب العين (٨ / ٨).