فإن قيل : فما الذي يمنع من أن يكون هو الموجود في الآية خبر التبرئة ولا يحتاج إلى تكلّف هذا الإضمار؟ فالجواب : أنّ ذلك خطأ من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ لا هذه لا تعمل إلا في النكرات ، فإن جعلت هو خبرها أعملتها في المعرفة وذلك لا يجوز.
والثاني : أنّ ما بعد إلّا موجب ولا لا تعمل في الموجب ، إنّما تعمل في المنفيّ.
والثالث : أنّك إن جعلت هو خبر التبرئة كنت قد جعلت الاسم نكرة والخبر معرفة ، وهذا عكس ما توجبه صناعة النحو ، لأن الحكم في العربية إذا اجتمعت معرفة ونكرة أن تكون المعرفة هي الاسم والنكرة الخبر ، فلذلك جعل النحويون الخبر نحو هذا محذوفا.
وأمّا قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) فإنّه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه :
١ ـ إمّا أن يكون منصوبا على المدح والتعظيم.
٢ ـ وإمّا أن يكون منصوبا على الحال.
٣ ـ وإمّا أن يكون منصوبا على النعت لإله المنصوب بالتبرئة ، فأمّا نصبه على المدح والتعظيم فواضح يغني وضوحه عن القول فيه ، وأمّا نصبه على الصفة لإله فإنّ ذلك خطأ ، لأنّ المراد بالنفي هاهنا العموم والاستغراق ، فإذا جعلت قائما صفة لإله فإنّ التقدير : لا إله قائما بالقسط إلّا هو ، فرجع النفي خصوصا وزال ما فيه من العموم وجاز أن يكون ثمّ إله آخر غير قائم بالقسط ، كما أنّك إذا قلت : لا رجل ظريفا في الدار إلا زيد ، فإنما نفيت الرجال الظرفاء خاصة وجاز أن يكون هناك رجل آخر غير ظريف ، وهذا كفر صريح ، نعوذ بالله منه.
وأمّا نصبه على الحال فإنّه لا يخلو من أحد أربعة أوجه :
إمّا أن يكون حالا من اسم الله تعالى.
وإمّا أن يكون حالا من المضمر.
وإمّا أن يكون حالا من المنصوب بأنّ.
وإمّا أن يكون حالا من المضمر الذي في خبر التبرئة المقدّر.
فإن جعلته حالا من اسم الله تعالى فالعامل فيه شهد ، تقديره : شهد الله في حال قيامه بالقسط أنّه لا إله إلّا هو وشهدت الملائكة وأولو العلم ، وليس هذا قبيحا من أجل أنّك ذكرت أسماء كثيرة وجئت بالحال من بعضها دون بعض ، قال ابن جني : «ألا ترى أنّك لو قلت : جاء زيد راكبا وعمر وخالد ، فجعلت الحال من