عموم الأوّل ، إذا حصلت به فائدة ، وهو تقرير حكم الخاصّ وتصييره كالإخبار به مرّتين ـ من أعظم الفوائد ، فيجوز ، فلذلك سلكته هنا ، وفيما تقدّم لم تحصل فائدة فمنعته.
وقد استعملت في كلامي هذا : «وكأني بك» لأنّ الناس يستعملونه ولا أدري هل جاء في كلام العرب أم لا ، إلّا أنّ في الحديث : «كأنّي به» (١) ، فإن صحّ فهو دليل الجواز.
وفي كلام بعض النحاة ما يقتضي منعه ، وقال في قولهم «كأنّك بالدّنيا لم تكن ...» : إنّ الكاف للخطاب ، والباء زائدة والمعنى : كأنّ الدنيا لم تكن ، ولذلك منعه في : «كأنّي بكذا لم يكن» ، هكذا على خاطري في كتاب القصريّات عن أبي عليّ الفارسي. وكان صاحبنا أحمد بن الطاراتي رحمه الله شابّ نشأ وبرع في النحو ، ضرير ، مات في حداثته ، أوقفني في مجاميع له على كلام جمعه في : «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» لا يحضرني الآن ، وفيه طول.
وأمّا استدلال الشيخ جمال الدين بعطف (جبريل) فصحيح في عطف الخاصّ على العامّ إن كان العطف على (ملائكته) ، لأنّه من جملة الملائكة ، وكذا إن عطف على الرّسل ولم يقصد بهم البشر وحدهم.
وأمّا منازعة الولد له : إذا حمل الرسل على البشر أو عطف على الجلالة الكريمة ، فالتّمسّك بحمل الرّسل على البشر إن صحّ لك يوجب العطف على الملائكة ، وهو منهم قطعا فحصل عطف الخاص على العامّ ، والعطف على الجلالة مع كونه عطفا على الأوّل دون ما بعده هو غير منقول في كلام النحاة ، ومع ذلك هو مذكور بعد ذكر الملائكة الذين هو منهم قطعا ، وبعد الرسل الذين هو منهم ظاهرا ، وذلك يوجب صحّة عطف الخاصّ على العامّ وإن قدّرت العطف على الجلالة ، لأنّا لا نعني بعطف الخاصّ على العامّ إلّا أنّه مذكور بعده ، والنظر في كونه يقتضي تخصيصه أولا.
وأمّا قولك : ولأيّ شيء يمتنع العطف ب «لا» في نحو «ما قام إلّا زيد لا عمرو» ـ وهو عطف على موجب ـ فلما تقدّم أنّ «لا» عطف بها ما اقتضى مفهوم الخطاب نفيه ليدلّ عليه صريحا ، وتأكيدا للمفهوم ، والمنطوق في الأول الثّبوت ، والمستثنى عكس ذلك ، لأنّ الثبوت فيه بالمفهوم لا بالمنطوق.
__________________
(١) هذه قطعة من حديث ذكره البخاري في صحيحه (٢ / ٥٧٩) الحديث (١٥١٨) ، «عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : كأنّي به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا».