المستثنى أعمّ ؛ لأنّ الأعمّ يقع على الأخصّ ، والواقع على الواقع واقع ، فتخلّص ممّا ورد عليه من قول النحاة : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان» (١). وقد أورد عليه أبو حيّان في قوله : «إنّها حال من لا تدخلوا» ، أنّ «هذا لا يجوز على مذهب الجمهور ؛ إذ لا يقع عندهم بعد «إلّا» في الاستثناء إلّا المستثنى أو المستثنى منه أو صفة المستثنى منه وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال ، وعلى هذا يجيء ما قاله الزّمخشريّ» (٢). وهذا الإيراد عجيب لأنّه ليس مراد الزّمخشريّ : «لا تدخلوا غير ناظرين» حتى يكون الحال قد تأخّر بعد أداة الاستثناء على مذهب الأخفش والكسائي ، وإنّما مراده أنّه قال : «من لا تدخلوا» لأنّه مفرّغ فيعمل فيما بعد الاستثناء كما في قولك : «ما دخلت إلّا غير ناظر» فلا يرد على الزّمخشري إلّا استثناء شيئين ، وجوابه ما قلناه ؛ وحاصله تقييد إطلاقهم : ـ لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ـ بما إذا كان الشيئان لا يعمل الفعل فيهما إلّا بعطف ؛ أمّا إذا كان عاملا فيهما بغير عطف فيتوجّه الاستثناء إليهما لأنّ حرف الاستثناء كالفعل ولأنّ الفعل عامل فيهما قبل الاستثناء ، فكذا بعده.
واختار أبو حيّان في إعراب الآية أن يكون التقدير : فادخلوا غير ناظرين ، كما في قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل : ٤٤] أي : أرسلناهم. والتقدير في تلك الآية قويّ لأجل البعد والفصل ، وأما هنا فيحتمل هو وما قلناه.
فإن قلت : قولهم : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان» هل هو متّفق عليه أو مختلف فيه؟ وما المختار فيه؟ قلت : قال ابن مالك ـ رحمه الله ـ في (التسهيل) : «يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ويوهم ذلك بدل وفعل مضمر لا بدلان خلافا لقوم».
قال أبو حيان ـ رحمه الله ـ : «إنّ من النحويّين من أجاز ذلك ذهبوا إلى إجازة : «ما أخذ أحد إلّا زيد درهما» و «ما ضرب القوم إلّا بعضهم بعضا» ، قال : ومنع الأخفش والفارسي ، واختلفا في إصلاحهما ، وتصحيحهما عند الأخفش بأن يقدّم على «إلّا» المرفوع الذي بعدها فتقول : «ما أخذ أحد زيد إلّا درهما» و «ما ضرب القوم بعضهم إلّا بعضا» قال : وهذا موافق لما ذهب إليه ابن السرّاج وابن مالك من أنّ حرف الاستثناء إنّما يستثنى به واحد. وتصحيحها عند الفارسيّ بأن تزيد فيها منصوبا قبل إلّا فتقول : «ما أخذ أحد شيئا إلّا زيد درهما» و «ما ضرب القوم أحدا إلّا
__________________
(١) انظر همع الهوامع (١ / ٢٢٦).
(٢) انظر البحر المحيط (٧ / ٢٣٧).