بعضهم بعضا» قال أبو حيّان : ولم يذكر تخريجه لهذا التركيب هل هو على أن يكون ذلك على البدل فيهما ، كما ذهب إليه ابن السّراج في «ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا ليبدل المرفوع من المرفوع والمنصوب من المنصوب ، أو هو على أن يجعل أحدهما بدلا والثاني معموله عامل مضمر ، فيكون : «إلّا زيد» بدلا من «أحد» ، و «إلّا بعضهم» بدلا من «القوم» ، و «درهما» منصوب بضرب مضمرة كما اختاره ابن مالك. والظاهر من قول المصنّف ـ يعني ابن مالك ـ : (خلافا لقوم) ، أنّه يعود لقوله : (لا بدلان) فيكون ذلك خلافا في التخريج لا خلافا في صحّة التّركيب. والخلاف كا ذكرته موجود في صحّة التركيب فمنهم من قال : هذا التركيب صحيح لا يحتاج إلى تخريج لا بتصحيح الأخفش ولا بتصحيح الفارسي» هذا كلام أبي حيّان ـ رحمه الله تعالى ـ وحاصله أنّ في صحّة هذا التّركيب خلافا ؛ فالأخفش والفارسي يمنعانه ، وغيرهما يجوّزه ، والمجوّزون له ابن السراج ، يقول : هما بدلان ، وابن مالك يقول : أحدهما بدل والآخر معمول عامل مضمر وليس في هؤلاء من يقول إنهما مستثنيان بأداة واحدة ، ولا نقل أبو حيّان ذلك عن أحد. وقوله في صدر كلامه : «إنّ من النحويّين من أجازه» محمول على التّركيب لا على معنى الاستثناء ؛ فليس في كلام أبي حيّان ما يقتضي الخلاف في المعنى بالنسبة إلى جواز استثناء شيئين بأداة واحدة من غير عطف.
واحتجّ ابن مالك بأنّه كما لا يقدّر بعد حرف العطف معطوفان ، كذلك لا يقع بعد حرف الاستثناء مستثنيان. وتعجّب الشيخ أبو حيّان منه وذلك لجواز قولنا : «ضرب زيد عمرا وبشر خالدا» و «ضرب زيد عمرا بسوط ، وبشر عمرا بجريدة». وقال : إنّ المجوّزين لذلك علّلوا الجواز بشبه (إلا) بحرف العطف ، وابن مالك جعل ذلك علّة للمنع. في هذا التعجّب نظر لأنّ ابن مالك أخذ المسألة مطلقة في هذا المثال وفي غيره ، وقال : «لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ...» (١) ، ولا شكّ أنّ ذلك صحيح في قولنا : «قام القوم إلّا زيد» أو «ما قام القوم إلّا زيدا» و «ما قام القوم إلّا خالد» وما أشبه ذلك ممّا يكون العامل فيه واحدا ، والعمل واحدا. ففي مثل هذا يمنع التعدّد ولا يكون مستثنيان بأداة واحدة ، ولا معطوفان بحرف واحد.
والشيخ في (شرح التسهيل) مثّل قول المصنّف بحرف عطف : «قام القوم إلّا زيدا وعمرا» ، وهو صحيح ، ومثّله دون عطف ب «أعطيت الناس إلّا عمرا الدنانير» وكأنّه أراد التمثيل بما هو محلّ نظر ، وإلّا فالمثال الذي قدّمناه هو من جملة
__________________
(١) انظر التسهيل (ص ١٠٣).