الأمثلة ، ولا ريبة في امتناع قولك : «قام القوم إلّا زيدا عمرا» ثمّ قال الشيخ : «قال ابن السرّاج : هذا لا يجوز بل تقول : أعطيت الناس الدنانير إلّا عمرا ، قال : فإن قلت : «ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا» ، وأردت الاستثناء لم يجز ، وإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرا من أحد ، ودانفا من درهم كأنّك قلت : ما أعطيت إلّا عمرا دانقا». قلت : وقد رأيت كلام ابن السراج في الأصول كذلك. قال الشيخ أبو حيّان رحمه الله : «وهذا التقدير الذي قرّره في البدل وهو : ما أعطيت إلّا عمرا دانقا ، لا يؤدّي إلى أنّ حرف الاستثناء يستثنى به واحد بل هو في هذه الحالة التقديريّة ليس ببدل ، إنّما نصبهما على أنّهما مفعولا «أعطيت» المقدّرة ، ولا يتوقّف على وساطة «إلّا» لأنّه استثناء مفرّغ ، فلو أسقطت «إلّا» فقلت : «ما أعطيت عمرا درهما» جاز عملها في الاسمين ، بخلاف عمل العامل في المستثنى الواقع بعد «إلّا» ، فهو متوقّف على وساطتها».
قلت : الحالة التقديريّة إنّما ذكرها ابن السّراج لمّا أعربهما بدلين فأسقط المبدلين وصار كأنّ التقدير ما ذكره. وابن السّراج قائل بأنّ حرف الاستثناء لا يستثنى به إلّا واحد ، حتى إنّه قال قبل ذلك في «ما قام أحد إلّا زيد إلّا عمرا» : إنّه لا يجوز رفعهما لأنّه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف ، فلا بدّ أن ينتصب أحدهما. والظاهر أنّ الشيخ أراد أن يشرح كلام ابن السرّاج لا أن يردّ عليه. ثم قال الشيخ : «ذهب الزجّاج إلى أنّ البدل ضعيف لأنّه لا يجوز بدل اسمين من اسمين ، لو قلت : «ضرب زيد المرأة أخوك هندا» لم يجز». قال : «والسماع على خلاف مذهب الزجّاج وهو أنه يجوز بدل اسمين من اسمين قال الشاعر : [الطويل]
٦٣٧ ـ فلمّا قرعنا النّبع بالنّبع بعضه |
|
ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا |
وردّ ابن مالك على ابن السّراج بأنّ البدل في الاستثناء لا بدّ من اقترانه بإلّا يعني : وهو قدّر : «ما أخذ أحد زيد» بغير إلّا. وقد يجاب عن ابن السّراج بأنّ الذي لا بد من اقترانه بإلّا هو البدل الذي يراد به الاستثناء ، أمّا هذا فلم يرد به معنى الاستثناء ، بل هو بدل منفيّ قدّمت «إلّا» عليه لفظا ، وهي في الحكم متأخّرة. وحاصله أنّه يلزمه الفصل بين البدل والمبدل ب «إلّا» ويلزمه الفصل بين «إلا» وما
__________________
٦٣٧ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ٧١) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٧١) ، والدرر (٣ / ١٦٧) ، وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ٢٢٦).