عند ذكر الله فليس بكامل الإيمان. وردّ بأنّ هذا مجاز ، وأجيب بأنّه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلّة ، فإنّه قد قام الدليل الذي قدّمناه على إفادتها الحصر وهو معاملة الضمير بعدها معاملته بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي ، ولهذا قال المحقّقون : والأكثر أنّها للحصر ، حتّى لقد نقل النّوويّ إجماع النحويّين والأصوليّين على إفادتها الحصر ، ذكره في (شرح مسلم) ، وهو غريب. فهذا ما يتعلّق بإثبات الأمر الثّاني المعنويّ.
وأمّا ما يتعلّق بالأوّل فنقول : إنّ أصل (إنّما) ، (إنّ) و (ما) ، وأنّ (إنّ) من (إنما) هي التي كانت الرافعة الناصبة قبل وجود (ما) ، وإنّ (ما) هي الحرف التالي لنحو (ليت) في قولهم : «ليتما أخوك منطلق».
فهذه ثلاثة أمور يدل عليها عندي أمران : أحدهما : أنّهم لم يختلفوا في (ليتما) و (لعلّما) و (لكنّما) و (كأنّما) في ذلك ، يعني في تركيبها ، والثاني : أنّ (ما) غير نافية ، فلتكن (إنّما) كذلك.
فإن قيل : هذه غير تلك التي تدخل عليها (ما) الكافّة ، وأنّ (إنّما) على قسمين ، فهذه دعى ما لا يثبت ، ولا يقوم عليه دليل. وأيضا فبأيّ شيء تفرّق أيّها العاقل بين (إنّما) هذه و (إنّما) تلك؟ وأيضا فلم يقل أحد إنّ (إنّما) على قسمين : مفيدة للحصر ، وغير مفيدة له. فهذا الحقّ الذي لا يحيد عنه من فيه أدنى إنصاف.
فإن قيل : معالة (ما) بعد (إنّما) معاملة (ما) بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي تدلّ على أنّ (ما) نافية ، فذلك غير لازم ، إذ لا يمتنع أن يكون الشيء حكمه حكم شيء آخر ، وإن لم يكن مركّبا منه ولا من شيء يشبهه. وإنّما الأمر في ذلك أنّ العرب استعملوا (إنّما) بعد تركيبها من الحرفين في موطن الحصر ، وخصّوها بذلك لمشاركتها ل (ما) و (إلّا) في الحكم ، لأنّهم استعملوها استعمالها وألزموها موضعها ، لا لأنّ (ما) من (إنّما) نافية ، كما أنّه ليس ذلك لأجل أنّ (إنّما) مأخوذة من (إلّا). ثم هذه المقالة بعد فسادها من جهة النّظر مخالفة لأقوال النّحاة ، فإنّهم إنّما ينصّون على أنّ (ما) كافّة ولا يعرف القول بأنّها نافية إلّا لبعض المتأخّرين. والله سبحانه وتعالى أعلم.