هذه الأبيات الثلاثة كتبت بخطّه ، ورأيت بعد هذه الأبيات بخطّه ـ رحمة الله عليه ـ :
هذا كلام على طريقة البحث وأمّا التحقيق فأن يقال : يمنع التنازع في المتقدّم وذلك لأنّه إنّما يتحقّق تجاذب العاملين للمعمول مع تأخّره عنهما ، أمّا إذا تقدّم وجاءا بعده ك «زيدا ضربت وأكرمت» فإنّ الأوّل بمجرّد وقوعه بعده يأخذه قبل مجيء الثاني ، لأنّه طالب له من حيث المعنى ولم يجد معارضا ؛ فإذا جاء الثاني لم يكن له أن يطلبه لأنّه إنّما جاء بعد أخذ غيره له. وكذا البحث في المتوسّط. فهذا إن شاء الله تعالى هو الحقّ الذي لا يعدل عنه وينبغي أن يكون هو حجّة للنحويّين لا ما احتجّ به ابن مالك ، انتهت المسألة ـ انتهى بنصّه ـ.
قال ابن النّحاس (١) : لا أعلم في التنزيل العظيم ما هو صريح في إعمال الثاني إلّا قوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ ...) [المنافقون : ٥] ، ولو أعمل الأوّل لقيل : تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ومثله في الحديث : «إنّ الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم ..» (٢) وهو عكس الآية لأنّ الثاني تعدّى بالجارّ ، ولو أعمل الأوّل لعدّاه بنفسه. انتهى. وأمّا باقي الآي فلا صراحة فيها.
وقولهم : لو أعمل الأوّل لأضمر في الثاني لا يلزم ، لأنّ الإضمار غير واجب ، وقد ذكرنا أمثلته ، وإذا لم يجب لم يكن معنا قاطع انتهى. وأقول : ما قاله مسلّم ، إلّا أنّ مشايخنا في هذا العلم ذكروا أنّ الإضمار وإن لم يجب لأنّه فضلة لكن يلزم إجماع القرّاء السّبعة على غير الأفصح. وهو غير جائز.
قوله : وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه يقتضي عدم التنازع في الحال.
قال ابن معط في (شرح الجزوليّة) : «وتقول في الحال : «إن تزرني ضاحكا آتك في هذه الحالة» ولا يجوز الكناية عنها لأنّ الحال لا تضمر. وتقول في الظّرف على إعمال الثاني : «سرت وذهبت اليوم». وعلى الأوّل : سرت وذهبت فيه اليوم. وفي المصدر على الثاني : «إن تضرب بكرا أضربك ضربا شديدا» ، وعلى الأوّل : «أضربكه ضربا شديدا».
__________________
(١) ابن النحاس : هو محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الإمام أبو عبد الله بهاء الدين بن النحاس الحلبي النحوي : لم يصنّف إلا ما أملاه شرحا لكتاب «المقرّب» ، (ت ٦٩٨ ه). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٣).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٥٤٦).