انتهى. فنقل الجرّ عن النّحويّين ، ونقل إجراء (كذا) مجرى العدد الصريح في حالة نصب التمييز عن معظم النّحويّين.
الخامس : أنّ الأمر كما قال الكوفيّون في «كذا كذا درهما» وفي «كذا درهم» خاصّة. قاله الأستاذ أبو بكر بن طاهر. فهذا ما بلغنا من الأقوال.
فأمّا قول ابن مالك فكان الذي دعاه إليه أنّ سيبويه شبّهها ب (كم) الاستفهامية ، وهي بمنزلة الأحد عشر وأخواتها وليس هذا بشيء ، لأنّها إنما شبّهت بها في نصب التمييز لا في المعنى ، ألا ترى أنها ليست للاستفهام كما أن (كم) للاستفهام! ثمّ إنّ (كم) نفسها بمنزلة الأحد عشر ، ولا تختصّ بالعدد الكثير بدليل أنّك تقول : «كم عبدا ملكت» ، فيصحّ بالواحد فما فوقه.
وأمّا قول سيبويه والمحقّقين فوجهه أنّها كلمة مبهمة كما أنّ (كم) كلمة مبهمة فكما أنّك لو قلت : كم كم عبدا ملكت أو : «كم وكم عبدا ملكت» أو غير ذلك لم تقتض مساواة ما شابهته من العدد الصّريح ، فكذا (كذا).
وأمّا قول الكوفيّين ومن وافقهم فمردود من جهات :
أحدها : أنّه قول بلا دليل ، وإنّما هو مجرّد قياس في اللّغة. وذكر ابن إياز أنّ البستيّ ذكر في تعليقه أنّ أبا الفتح سأل أبا عليّ عن قولهم : إنّ «كذا كذا درهما» يحمل على : «أحد عشر درهما» ، و «كذا وكذا درهما» يحمل على أحد وعشرين ، و «كذا درهم» يحمل على مائة ، قال : «كذا وكذا وكذا درهما» يحمل على مائة وأحد وعشرين درهما فقال أبو عليّ : هذا من استخراج الفقهاء وليس هو في النّحو ، إنّما (كذا) بمنزلة عدد منوّن والجرّ خطأ.
الثاني : أنّ الناس اختلفوا فقال ابن خروف : إن العرب لم يقولوا : «كذا كذا درهما» ، ولا «كذا درهما» ولا «كذا دراهم» ، لا بالإضافة ولا بالنّصب. وعلى هذا فالحكم على هذه الألفاظ بما ذكروا باطل لأنه حكم على ما لا يتكلّم به فأين معناه؟. وقال ابن مالك في (التسهيل) : «وقلّ ورود (كذا) مفردا أو مكرّرا بلا واو» (١) ، فأثبت ورود هذين من خلافهم. والمثبت مقدّم على النافي ، ولكن لمّا قلّ استعمال هذين مع أنّ الحاجة التي دعت إلى الكناية عن العدد المعطوف والمعطوف عليه داعية إلى الكناية عن غيره من الأعداد دلّ على أن قولك «كذا وكذا» لا يختصّ بالعدد المعطوف والمعطوف عليه.
__________________
(١) انظر التسهيل (ص ١٢٥).