والجملة التي هي : كان واسمها وخبرها ، خبر ليت ، فالتقدير : ليته أي ليت الشأن كان خيرك كلّه كفافا عنّي ، أي كافّا. ومن روى (وشرّك) رفعه بالعطف على قوله : (خيرك) فدخل في حيّز كان فكأنّه قال : وكان شرّك ، فغير أبي عليّ يقدّر خبر (كان) المضمر محذوفا دلّ عليه خبر (كان) المظهر ، ويقدّر المحذوف بلفظ المذكور ، وهو القياس. ونظير ذلك في حذف الخبر لدلالة الخبر الآخر عليه وهما من لفظ واحد قول الشّاعر (١) : [المنسرح]
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرّأي مختلف |
أراد : نحن بما عندنا راضون ، فحذفه لدلالة (راض) عليه. ومثله في دلالة أحد الخبرين على الآخر في التّنزيل : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] التقدير : والله أحقّ أن يرضوه ورسوله أحقّ أن يرضوه ، ولو كان خبرا عنهما : لكان (يرضوهما). فالتقدير على هذا : وكان شرّك كفافا. وهذا على أن يكون (ارتوى) مسندا إلى (مرتوي).
وذهب أبو عليّ إلى أنّ الخبر (مرتوي) وكان حقّه (مرتويا) ولكنّه أسكن الياء لإقامة الوزن والقافية ، وهو من الضّرورات المستحسنة لأنّه ردّ حالة إلى حالتين ، أعني أنّ الشاعر حمل حالة النّصب على حالة الرّفع والجرّ. ومثله قول الآخر : [الوافر]
٦٨٩ ـ كفى بالنّأي من أسماء كافي |
|
[وليس لحبّها ما عشت شافي] |
وقوله (٣) : [البسيط]
يا دار هند عفت إلّا أثافيها |
|
[بين الطويّ قصارات فواديها] |
وحسن الإخبار عن الشّرّ بمرتو لأنّ الارتواء يكفّ الشارب عن الشّرب فجاز لذلك تعليق (عنّي) ب (مرتوي) كما يتعلّق بكاف أو كفاف ، فكأنّه قال : وكان شرّك كافّا عنّي.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٠).
٦٨٩ ـ الشاهد لبشر بن أبي خازم في ديوانه (ص ١٤٢) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٣٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٢٩٤) ، ولأبي حيّة النميري في لسان العرب (قفا) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ٢٩٩) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٤٣) ، والخصائص (٢ / ٢٦٨) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٩٧٠) ، وشرح المفصّل (٦ / ١٥) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٣٥) ، والمقتضب (٤ / ٢٢) ، والمنصف (٢ / ١١٥).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٦١).