أنّني من أهل العلم فشجنتني عنه شواجن غادرتني مثل الكرة رهن المحاجن. فالآن مشيت رويدا وتركت عمرا للضارب وزيدا وما أوثر أن يزاد في صحيفتي خطأ في النحو فيخلد آمنا من المحو ، وإذا صدق فجر اللّمّة فلا عذر لصاحبها في الكذب ، ومن لمعذّب العطش بالعذب ، وصدق الشّعر في المفرق يوجب صدق الإنسان الفرق وكون الحالية بلا خرص أجمل بها من التخرّص ، وقيام النادبة بالمنادب أحسن بالرجل من أقوال الكاذب.
وهو أدام الله الجمال به يلزمه البحث عن غوامض الأشياء لأنّه يعتمد بسؤال رائح وغاد ، وحاضر يرجو الفائدة وباد ، فلا غرو إن كشف عن حقائق التّصريف واحتجّ للنّكرة والتّعريف وتكلّم في همز وإدغام وأزال الشّبه عن صدور الطّغام.
فأمّا أنا فجليس البيت إن لم أكن الميت فشبيه بالميت ، لو أعرضت الأغربة عن النّعيب إعراضي عن الأدب والأديب لأصبحت لا تحسن نعيبا ولا يطيق هرمها زعيبا.
ولمّا وافى شيخنا أبو القاسم عليّ بن محمد بن همّام بتلك المسائل ألفيتها في اللذّة كأنّها الرّاح يستفزّ من سمعها المراح ، فكانت الصّهباء الجرجانيّة طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء وسقوط الغفر. وكان عليّ بجباها جلب إلينا الشّمس وإيّاها فلمّا جليت الهديّ ذكرت ما قال الأسديّ : [الطويل]
٦٩٦ ـ فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها |
|
فما أنا بعد الشّيب ويبك والخمر |
تجاللت عنها في السّنين التي مضت |
|
فكيف التّصابي بعد ما كلأ العمر |
وما رغبتي في كوني كبعض الكروان تكلّم في خطب جرى ، والظّليم يسمع ويرى. فقال الأخنس أو الفرا (٢) : [مجزوء الرجز]
٦٩٧ ـ أطرق كرا أطرق كرا |
|
إنّ النّعام في القرى (٤) |
وحقّ مثلي ألّا يسأل ، فإن سئل تعيّن عليه ألّا يجيب ، فإن أجاب ففرض على السامع ألّا يسمع منه ، فإن خالف باستماعه ففريضة ألّا يكتب ما يقول فإن كتبه فواجب ألّا ينظر فيه ، فإن نظر فقد خبط خبط عشواء. وقد بلغت سنّ الأشياخ وما حار بيدي نفع من هذا الهذيان والظعن إلى الآخرة قريب ، أفتراني أدافع ملك الموت؟
__________________
٦٩٦ ـ البيتان للأقيشر في الشعر والشعراء (ص ٥٦٢) ، والبيت الثاني بلا نسبة في اللسان والتاج (كلأ).
(١) الأخنس : الثور من بقر الوحش. والفرا : حمار الوحش.
٦٩٧ ـ الرجز بلا نسبة في الكامل (٢ / ٥٦) ، واللسان (طرق) ، والخزانة (١ / ٣٩٤).
(٢) الكرا : ذكر الكروان.