ثمّ أعود إلى ما كنت متكلّما فيه قبل ذكر الملائكة : من أهدى البريرة إلى نعمان وأراق النّطفة على الفرات ، وشرح القضيّة لأمير المؤمنين فقد أساء فيما فعل. ودلّني كلامه على أنّه بحر يستجيش منّي ثمدا (١) ، وجبل يستضيف إلى صخوره حصى ، وغاضية من النّيران تجتلب إلى جمارها سقطا ، وحسب تهامة ما فيها من السّمرى.
وسؤال مولاي الشيخ كما قال الأوّل : [الطويل]
٧٢٧ ـ فهذي سيوف يا صديّ بن مالك |
|
كثير ولكن أين بالسّيف ضارب |
[الرجز]
٧٢٨ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ |
|
[ولا فتى مثل ابن خبريّ] |
قضيّة ولا أبا حسن لها ، وشكاة فأين الحارث بن كلدة ، وخيل لو كان لها فوارس. والله المستعان على ما تصفون.
والواجب أن أقول لنفسي : «وراءك أوسع لك» (٣) «فالّصيف ضيّعت اللّبن» (٤) و «لا يكذب الرائد أهله» (٥) ولو كان معي ملء السّقاء لسلكت في الأرض المقّاء. وسوف أذكر طرفا ممّا أنا عليه ، غريت بي العامّة من شبّ إلى دبّ ، يزعمون أنّي من أهل العلم وأنا منه خلو إلّا ما شاء الله ومنزلتي إلى الجهّال أدنى منها إلى الرّهط العلماء. ولن أكون مثل الرّبداء أزعم في الإبل أنّني طائر وفي الطّير أنّي بعير سائر ، والتّمويه خلق ذميم ولكنّي ضب لا أحمل ولا أطير ولا ثمني في البيع خطير أقتنع بالحبلة والسّحاء ، وأتعوّذ من بني آدم في مساء وضحاء ، وإذا خلوت في بيتي تعلّلت وإن فارقت مأواي ضللت. وذكر ابن حبيب أنّه يقال في المثل : «أحير من ضبّ» (٦) وذلك أنّه إذا فارق بيته فأبعد لم يهتد أن يرجع إليه. وقد علم الله تعالت قدرته أنّي
__________________
(١) الثمد : الماء القليل.
٧٢٨ ـ الرجز لبعض بني دبير في الدرر (٢ / ٢١٣) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٥٠) ، وتخليص الشواهد (ص ١٧٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٧) ، ورصف المباني (ص ٢٦٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٥٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٥) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠٢) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٤٥).
(٢) انظر مجمع الأمثال للميداني (٢ / ٣٧٠).
(٣) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٦٨).
(٤) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٢٣٣).
(٥) انظر مجمع الأمثال (١ / ٢٢٧).