وبعده :
وقد طال عهدي بالشّباب وظلّه |
|
ولاقيت أيّاما تشيب النّواصيا |
وإنّما ذكرت هذين البيتين مستدلا بهما على نصب القافية ، لئلّا يتوهّم متوهّم أنّ البيت فرد مصنوع ، لأنّ إسكان الياء في قوله متراخيا ممكن مع تصحيح الوزن على أن يكون البيت من الطويل الثالث مثل : [الطويل]
٧٣٦ ـ أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم |
|
وإلّا تقيموا صاغرين الرّؤوسا |
وإذا صحّ نصب قافية البيت فلا تخلو (لا) الأولى أن تكون معملة أو ملغاة ، فإن كانت معملة ف (مبتغ) خبرها وكان حقّه أن ينصب ولكنّه أسكن الياء في موضع النّصب كما أسكنها الآخر في قوله (٢) : [الوافر]
كفى بالنّأي من أسماء كافي |
|
[وليس لحبّها ما عشت شافي] |
وكان حقّه (كافيا) ، لأنّه حال بمنزلة المنصوب في قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥].
ومثله في إسكان الياء في موضع النّصب قول الفرزدق : [الطويل]
٧٣٧ ـ يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد |
|
وعينا له حولاء باد عيوبها |
قال : (باد) وكان حقّه (باديا) إتباعا لقوله (عينا) ، ولا يجوز أن يكون (عيوبها) مبتدأ ، وخبره (باد) لأنّه لو أراد ذلك لزمه أن يقول : (بادية) ، ألا ترى أنّك لو قدّمت العيوب لم يصحّ أن تقول «عيوبها باد» كما لا تقول : «الرجال جالس». وإذا كان كذلك فالنصب في قوله (متراخيا) بالعطف على (مبتغ) لأنّه منصوب الموضع ، فكأنّه قال : لا أنا مبتغيا سواها ولا متراخيا عن حبّها ، فإن جعلت (لا) الأولى ملغاة كان قوله : «أنا مبتغ» مبتدأ وخبرا ، ولزمك أن تعمل الثانية ، ويكون اسمها محذوفا تقديره : ولا أنا عن حبّها متراخيا ، وحسن حذفه لتقدّم ذكره. فإن قيل : فهل يجوز أن يكون قوله (متراخيا) حالا ، والعامل فيه الظّرف الذي هو (عن) كما يعمل الظّرف في الحال إذا قلنا : «زيد في الدار جالسا»؟ قيل : لا يجوز ذلك لأنّ (عن) ظرف ناقص ، وإنّما يعمل في الحال الظّرف التامّ ، ألا ترى أنّ قولك : «زيد في
__________________
٧٣٦ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (قوم) ، وتاج العروس (قوم) وشرح المفصّل (٦ / ١١٥).
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٩).
٧٣٧ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٤٧) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٦٣).