وتكون المسألة من باب الإعمال ، تنازع الاسم والفعل على حدّ قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، قيل : لا بدّ في باب الإعمال من ربط بين العاملين ، نصّ على ذلك ابن هشام الخضراويّ ، وابن عصفور في شرحهما على (الإيضاح) ، وأبو حيّان في الارتشاف ، والأبّدي في أثناء كلام على (الجزوليّة).
والجواب عن قوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) بأنّ هذه ليست من باب الإعمال ، أو أنّها منه ، وحرف العطف مقدّر كما خرّجت عليه آيات ، منها قوله تعالى : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) [الكهف : ٢٢] و (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ) [الكهف : ٢٢] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] على قول أبي عليّ في الحجّة ، وقوله : «كيف أصبحت كيف أمسيت» و «أكلت سمكا لبنا تمرا» ، أو أنّها جملة حاليّة في تقدير الخبر ، أي : «هاؤم قارئين» على حدّ (فَلْيَمْدُدْ) [مريم : ٧٥] ، حال منتظرة ، أو أنّه بدل اشتمال ، أو بدل إضراب على حدّ ما أوّله ابن خروف في قوله : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٥] ، أو أنّ الفعلين قد ارتبط أحدهما بالآخر من حيث كانا محكيّين بالقول ، ذكره ابن عصفور في (شرح الإيضاح)
قلت : لا نسلّم اشتراط الرّبط ، قال الإمام محمّد بن أبي البركات محمد بن عمرون في (شرح المفصّل) ما نصّه : «ضابط هذا ـ يعني باب الإعمال ـ أن يجتمع أكثر من عامل من فعل أو اسم يعمل عمل الفعل ، ويقع بعد ذلك كلمة يصحّ أن يعمل فيها كلّ واحد ممّا تقدّم على انفراده ، سواء في ذلك ما يعمل بنفسه أو بحرف جرّ ، وسواء المتعدّي لواحد واثنين ، وثلاثة وسواء وجود حرف عطف وعدمه ، أنت مخيّر في أيّها شئت».
وقال الأبّدي في (شرح الجزوليّة) بعد كلام طويل على قوله (١) : [الطويل]
ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
[كفاني ولم أطلب قليل من المال] |
ـ البيت ـ «ودخول هذا البيت في باب الإعمال مشكل ، فإنّه لا يصحّ تسلّط الثاني عليه لفساد المعنى. وحقيقة الإعمال أن يتقدّم عاملان ويتأخر عنهما معمول ، لكلّ واحد منهما تعلّق به من جهة المعنى ، وطلب له. فقال بعضهم : إنّما أرادوا مشابهة لباب الإعمال في أن فصل فيه بين العامل والمعمول بجملة. وقال بعضهم : يمكن أن نجعله من باب الإعمال وننصب (قليلا) ب «لم أطلب» ولا يفسد المعنى وذلك على تقدير : «وأنا لم أطلب» معطوفا على الجمل كلّها لا على الجواب الذي هو (كفاني) ، ويكون التقدير : ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني هو ـ أي القليل
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٦٨).