الحسن ، وهيئة فيه ليست له في غيره ، فالمعنى : «ما رأيت أحدا عاملا في عينه الكحل من الحسن كعمله في عين زيد» وهذا في التقدير كقولك (١) : «ما رأيت أحدا تحسن عينه بالكحل كعين زيد» فهو ك : «ما رأيت أحدا يحسن بالكحل كحسن زيد» فهو ك «ما رأيت أحدا حسنا بالكحل كزيد» ، ولا يتأتّى ذلك في «مررت برجل خير منك أبوه» ، لأنّ فيه (أفعل) صفة للأب لأنّ تفضيل الأب على رجل ممكن فخلصت لما بعد.
وذكر ابن فلاح في (الكافي) تعليلين آخرين : أوّلهما : أنّها عملت في الظاهر في تفضيل الشيء على نفسه لأنّ ذاك بالنّسبة إلى المعاني غالبا يجري مجرى الضّمائر فرفعته كما ترفع الضمير. ثانيهما : أنّه لما اتّحد الفاضل والمفضول كأنّه عمل في شيء واحد فهذه خمس تعاليل لم أرها مجتمعة.
النظر الثاني في وجه اشتراط تلك الشّروط : أمّا اشتراط الموصوف وهو في عبارة ابن الحاجب في قوله : «لشيء» ، وفي عبارة التسهيل في قوله : «فصاحب أفعل» ، فقيل : ليتأتّى التفضيل وهو دعوى ، وقيل : لأنّ الأسماء العاملة لا بدّ لها من الاعتماد ، واعترض بأنّ ذلك يكفي فيه النّفي فنقول : «ما أحسن في عين رجل الكحل منه في عين زيد» كما تقول : «ما قام الزيدان» فرفع الوصف مكتفى به وأجيب بأنّ (أفعل) لم يقو قوّة اسم الفاعل ، ألا ترى أنّه لا ينصب المفعول به مطلقا على الصحيح ، ولو وجدت شروط رفعه للظّاهر ، بخلاف اسم الفاعل.
وأمّا السبب عند من اشترطه لأنّها صفة جرت في اللفظ على غير من هي له ، ولا بدّ منه لأنّه الذي رفعته (أفعل) ، وأمّا التفضيل ف (أفعل) وضعت له ، وكونه بين ضميرين ـ وهو المشار إليه بالاعتبارين ـ فلأنّ تفضيل الشيء على نفسه إنّما طريقه ذلك والنّفي لإمكان وقوع الفعل موقعه ، واغتنائه عنه ـ كما قرّرناه في التّعليل ـ بمعاقبة الفعل وهو ينتظم بالشروط السابقة لك وقد تقدّم أنّ بدر الدين بن مالك اشترط الأجنبيّة في مرفوعها وتقدّم الكلام معه ، والتوفيق بينه وبين من اشترط السببيّة.
فإن قلت : فأنت إذا قلت : «ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه» أو «رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» يصحّ وقوع الفعل موقعه فقد أجاب عنه بدر الدين بأنّ المعتبر في اطّراد رفع أفعل التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقع الفعل الذي يبنى منه مفيدا فائدته. ولو قلت في الأوّل : «يحسن أبوه كحسنه» لفاتت
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).