مسعدة المجاشعي وهو من رؤوس البصريّين أنّ (إلّا) تأتي بمعنى الواو ، ولذلك قال في (التسهيل) في باب العطف في حروفه فقال : «ولا (إلّا) خلافا للأخفش والفرّاء» (١).
الثالث : أن قوما خرّجوا على ذلك (إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] ، وظهر لك بذلك (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل : ١٠ ـ ١١] ، عن بعض النّحويّين أنّ (إلّا) بمعنى الواو. وأجاز الفرّاء أن تكون إلّا بمعنى الواو في قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٨].
فإذا كان الأخفش وهو من رؤوس نحاة البصرة ، والفرّاء وهو من رؤوس نحاة الكوفة يقدّران ذلك في كتاب الله تعالى ، بل وفيه الحذف أيضا ، وكذلك من حكى عنه الفرّاء. وقد جوّز ذلك في هذه الآية بعينها أبو عليّ الحسن بن يحيى الجرجانيّ. وإنكار هذا الأمر يدلّ على قلّة الممارسة بالعلوم ، والقول إذا حكي لا يلزم من حكايته اختياره ، مع أنّه لا محذور في اختياره في العقيدة ولله الحمد ، إنّما المحذور في العقائد الأفعال المنكرة التي يأباها الكرام البررة. مشيرا إلى هذا الحال بحمد الله معتقدي صحيح وما أنا عن مقال الحقّ زائغ وهذه الآيات التي سيقت ، فكيف ينكر هذا ذلك الكلام على الاستثناء فيها وإنما الكلام على ما نحن بصدده.
ولنقدّم الكلام على الاستثناء من المذكور ثمّ نذكر بعد ذلك الاستثناء من المقدّر فنقول : كان سبق في الأجوبة التي ذكرناها أن يكون الاستثناء من قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) على الرّفع على الابتداء ، أو الفتح على أنّ (لا) لنفي الجنس. وهذا هو الذي جزم به الزّمخشري فقال : «(وما يعزب) ، قرئ بالضمّ والكسر : وما يبعد وما يغيب ، ومنه الرّوض العازب (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) القراءة بالرّفع والنصب ، والوجه النصب على نفي الجنس ، والرّفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه. وفي العطف على محل (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) أو على لفظ (مثقال ذرّة) فتحا : في موضع الجرّ لامتناع الصرف إشكال ، لأنّ قولك : لا يعزب عنه شيء إلّا في كتاب مشكل» (٢) انتهى ما قرّره الزمخشري وكأنّه قصد بذلك ما نقل عن أبي عليّ الفارسيّ من أنّ الرفع في ذلك للعطف على المحلّ والفتح فيه للعطف على اللّفظ. وقد قال السّخاوي شارح (الشاطبيّة) ـ رحمه الله تعالى ـ متكلّما على قول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ : [الرجز]
٧٥٣ ـ ويعزب كسر الضمّ مع سبأ رسا |
|
وأصغر فارفعه وأكبر (ف) يصلا |
__________________
(١) انظر تسهيل ابن مالك (ص ١٧٤).
(٢) انظر الكشّاف (٢ / ٢٤٣).
٧٥٣ ـ انظر شرح الشاطبية (ص ٢١٩).