في كتاب مبين. ونظيره : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨] ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) [النبأ : ٢٩]. وإنما لم أجعله مستثنى ممّا قبله رفعا أو فتحا لأنّ الكلام على أنّ الرفع للعطف على المحلّ ، والفتح للعطف على اللّفظ ، فعدلنا عن الاستثناء من المذكور إلى مقدّر مبتدأ دلّ على ما سبق ، ولا بدع في حذف ما قدّر لدلالة الكلام عليه ، ويكون من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى في كلّ معلوم ، وأنّ كلّ شيء مكتوب في الكتاب ، وقد يجمع بينهما في قوله تعالى : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ، وفي قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩].
وهذه الأوجه الأربعة التي فتح الله بها لا توجد مجموعة في كتاب بل الأوّل منها قد علمت أصله ، ومن قدّره في هذه الآية ، والثاني قد علمت من قاله ، والثالث قد علمت من جزم به واختاره ، والرابع يشهد له كثير من أساليب العرب. وذكر صاحب كتاب (تبصرة المتذكّر) أنّه «يجوز أن يكون الاستثناء متّصلا بما قبل قوله (وما يعزب) ويكون في الآية تقديم وتأخير وترتيبها : «وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلّا في كتاب مبين إلّا كنّا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ..» إلى «ولا أكبر». تلخيصه : «ما من شيء إلّا وهو في اللّوح المحفوظ. ونحن نشاهده في كلّ آن» ويجوز الاستثناء من (وما يعزب) ويكون (يعزب) بمعنى يبين ويذهب ، المعنى : لم يبن شيء عن الله تعالى بعد خلقه له إلّا وهو مكتوب في اللّوح المحفوظ تلخيصه : كلّ مخلوق مكتوب» ، انتهى.
وفيه نظر ، أمّا الوجه الأوّل فليس هذا نظير «امرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا» (١) فلأنّك عند قصد التأكيد في نحو ذلك يجب العطف بالواو ولا تقول : قام القوم إلّا زيدا إلّا جعفرا» إذا قصدت التأكيد إلّا بالعطف فتقول : «وإلّا جعفرا».
فإن قيل : إنّما يكون ذلك في (إلّا) التي للتأكيد ، وهاهنا قد لا يكون مقصودا فيكون كقول القائل : «ما قام إلّا زيدا إلّا عمرا». قلت : لا يصحّ ، لأنّ المثال المستشهد به مفرّغ ، ولا تفريغ فيما نحن فيه ، ولكن هو قريب من قولك : «ما قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا. غير أنّ المستثنيين داخلان في القوم ، فلو سكت عن أحدهما لانتفى بخلاف ما نحن فيه. وأيضا فلأنّه يلزم مجازان أحدهما بالتّقديم والتأخير ، والثاني تكرير إلّا.
__________________
(١) انظر الأشموني (١ / ٣٩٧).