المبين علم الله ، أو اللّوح». ويقال مثله هنا بأنّ قوله : (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) عطف على (مثقال) أو (ذرّة) ، وداخل في حكمها ، كأنّه قيل : وما يعزب عن ربّك من هذه الأشياء شيء ، وذلك مثبت للعلم ، فيكون معنى ذلك ومعنى (إلّا في كتاب مبين) التأكيد لما فهم من إثبات العلم ممّا سبق ، لأن معنى (ذلك) ومعنى (إلّا في كتاب مبين) واحد ، والكتاب هو علم الله تعالى ، والمعنى : وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء إلّا يعلمها ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في علمه. وهذا وجه آخر في الآية إلّا أنّ فيه حذف المؤكّد بخلاف (إلّا يعلمها) فإنّه مذكور ، نعم يتمشّى ذلك على التّقديم والتأخير وفيه ما تقدّم وبه مع الوجهين اللّذين قبله مع الأربعة التي ذكرتها في المجلس ، وأوضحت القول فيها هنا يكمل في الآية سبعة أوجه ، على أنّه قد قرئ شاذّا : ولا حبه ولا رطب ولا يابس برفعها قال (١) الزمخشري : «وفيه وجهان : أن يكون عطفا على محلّ من ورقة ، أو رفعا على الابتداء وخبره (إلّا في كتاب مبين) كقولك : لا رجل منهم ولا امرأة إلّا في الدّار».
وممّا وقع في الكلام من غيري أنّه يجوز أن يكون الاستثناء في ذلك روعي فيه ما راعى الجعدي بقوله : [الطويل]
٧٥٤ ـ فتى كملت خيراته غير أنّه |
|
جواد فما يبقي من المال باقيا |
فإنّه ذهب إلى معنى : ليس فيه عيب لأنّ الجود ليس بعيب ، فإذا لم يكن فيه عيب إلّا الجود فما فيه عيب فإنّه قال : كملت خيراته لكن ينقصه جوده. ونظيره في هذه الآية : إن كان يعزب عنه شيء فهو الذي في كتاب مبين ، لكنّ الذي في الكتاب لا يعزب فلا يعزب عنه شيء. وهذا التقدير لا يصحّ من جهة أنّ فيه فرض محال ، وليس في اللّفظ ما يدلّ عليه ، بخلاف ما تقدّم من البيت ، وأيضا فيؤدّي إلى تكثير المجاز ، وأيضا فلأنّ الجود بوصفه لفظا ليس بنقص ، وأمّا الذي في الكتاب المبين فليس في اللّفظ ما يدلّ على هذا التقدير ، وإن كان الأمر كذلك لمّا تقرّر أنّ الباري جلّ جلاله عالم بالكلّيّات والجزئيّات ؛ على أنّ التقدير في البيت إنّما هو على
__________________
(١) انظر الكشاف (٢ / ٢٥).
٧٥٤ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٧٣) ، والأزهيّة (ص ١٨١) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٦٨) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٣٤) ، والكتاب (٢ / ٣٤٠) ، والدرر (٣ / ١٨٢) ، وديوان المعاني (١ / ٣٦) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٦٢) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٠٦٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦١٤) ، والشعر والشعراء (١ / ٢٩٩) ، ولسان العرب (وصح) ، وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٦٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٣٤).