أحدها : أنّا قاطعون بنفي الاحتياج إليه.
الثاني : أنّ حذف المبتدأ مشروط بالقرينة ولا قرينة.
الثالث : أنّك إذا جعلته خبر مبتدأ لم يكن بدّ من ضمير يعود منه إلى المبتدأ ، لأنه في معنى مغاير ، ولا ضمير يعود على ما تقدّره مبتدأ ، فلا يصحّ أن يكون خبرا ، فتبيّن إشكال إعرابه.
وأولى ما يقال أنّه أوقع المظهر موقع المضمر لمّا حذف المبتدأ من أوّل الكلام ، وكأن التقدير : زمن ينقضي بالهمّ والحزن غير متأسّف عليه ، فلمّا حذف المبتدأ من غير قرينة تشعر به أتى به ظاهرا مكان المضمر ، فصارت العبارة فيه كذلك ، وهو وجه حسن ، ولا بعد في مثل ذلك ، فإنّ العرب تجيز : «إن يكرمني زيد إنّي أكرمه» وتقديره : إني أكرم زيدا إن يكرمني ، فقد أوقعت زيدا موقع المضمر لمّا اضطرّت إلى إعادة الضمير إليه وأوقعت المضمر موقع المظهر لمّا أخرته عن الظاهر ، فقد تبيّن لك اتّساعهم في مثل ذلك وعكسه ، ويحتمل أن يقال : إنهم استعملوا غيرا بمعنى لا كما استعملوا لا بمعنى غير ، وذلك واسع في كلامهم ، وكأنه قال : لا تأسف على زمن هذه صفته ، ويدلك على استعمالهم غيرا بمعنى لا قولهم : زيد عمرا غير ضارب ، ولا يقولون : زيد عمرا مثل ضارب ، لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، ولكنّه لمّا كانت غير تحمل على لا جاز فيا ما لا يجوز في مثل وإن كان بابهما واحدا ، وإذا كانوا قد استعملوا «أقلّ رجل يقول ذلك» بمعنى النفي مع بعده عنه بعض البعد فلأن يستعملوا «غير» بمعنى لا مع موافقتها لها في المعنى أجدر فإن قيل : فإذا قدّرتموها بمعنى لا فلا بدّ لها من إعراب من حيث كونها اسما فما إعرابه؟ قلنا : إعرابه كإعراب قولك : أقلّ رجل يقول ذلك ، وهو مبتدأ لا خبر له استغناء عنه ، لأنّ المعنى : ما رجل يقول ذلك ، وإذا كان كذلك صحّ المعنى من غير احتياج إلى خبر ، ولا استنكار بمبتدأ لا خبر له ، إذا كان في المعنى بمعنى جملة مستقلة ، كقولهم : أقائم الزيدان ، فإنّه بالإجماع مبتدأ ولا مقدّر محذوف ، والزيدان فاعل به ليس بخبر ، فهذا مبتدأ لا خبر له في اللفظ ولا في التقدير ، وإنما استقام لأنّه في المعنى : أيقوم الزيدان؟ وكذلك قول بعض المحققين في نزال وتراك : إنه مبتدأ وفاعله مضمر ولا خبر له لاستقامة المعنى من حيث كان معناه : انزل واترك ، وقد ذهب كثير إلى أنّه منصوب انتصاب المصدر ، كأنه قيل في نزال : انزل نزولا ، وهذا عندنا ضعيف ، فإنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون معربا ، ونحن نفرّق بين سقيا وبين تراك ، فكيف يمكن حملهما على إعراب واحد وهو أن يكونا مصدرين مع أنّ أحدهما معرب والآخر مبنيّ؟.