وقف بعض القرّاء (١) : «وما كان منتصرا هنالك» ، ثمّ ابتدأ «الولاية لله». ويجوز أن يكون خبرا و (لله) متعلّق ب (الولاية). ويجوز أن يكونا خبرين. ومع هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال. وأمّا البيت : فالجواب عنه مستفاد من الكلام الذي قدّمته عن الأبّديّ. وذلك أنّه جعل تقدّم بعض الجملة كتقدّم كلّها ؛ لأنّ بعضها يطلب بعضا. وهنا لمّا تقدّمت (كان) وهي طالبة لاسمها وخبرها ، كانا في نيّة التّقديم ، وكانت الحال متأخّرة عنهما في التقدير على أنّني متردّد في ثبوت هذه المقالة عن ابن برهان ، فإنّني رأيتها في نسخة معتمدة مقروءة على أبي محمّد بن الخشّاب ، وأوّلها ما صدّر به حاشيته ، ثم ذكر ذلك إلى آخره. فالظاهر أنّه ممّا ألحق ، كما ألحقت حواش من كلام الأخفش وغيره في متن كتاب سيبويه.
وأمّا قولهم : «فداء لك أبي» (٢) فإنّه يروى بالرّفع والنّصب والكسر. وبالأوجه الثّلاثة يروى قول نابغة بني ذبيان في معلّقته المشهورة : [البسيط]
٦٢١ ـ مهلا فداء لك الأقوام كلّهم |
|
وما أثمّر من مال ومن ولد |
فأمّا الرّفع ، فعلى الابتداء أو الخبر. والأولى أن يكون (فداء) هو الخبر ، و (الأقوام) هو المبتدأ. وكذلك (أبي) في المثال ، لأنّ المعرفة أولى بالابتداء من النكرة هذا قول حذّاق المعربين ، وخالف سيبويه في مثل ذلك ، فأعرب النّكرة المتقدّمة مبتدأ ، والمعرفة المتأخّرة خبرا ، بناء على الأصل ، من أنّ كلّا منهما حال في محلّه ، ولا تقديم ولا تأخير ، وعلى أنّ النكرة التي لها مسوّغ بمنزلة المعرفة ، والمعرفتان إذا اجتمعتا كان المقدّم منها هو المبتدأ (٤).
وأمّا النّصب فعلى المصدر ؛ وأصل الكلام : تفديك الأقوام ، ثمّ حذف الفعل ، وأقيم مصدره مقامه ، وجيء ب (لك) للتّبيين كما جيء بها بعد (سقيا) في قولهم : «سقيا لك». وارتفع (الأقوام) في البيت ، و (أبي) في المثال بالمصدر ، أو بالفعل المحذوف ، على خلاف بين النحويين في ذلك.
وأمّا الكسر ـ وهي رواية يعقوب بن السّكّيت وغيره ـ فللنحويّين فيه قولان :
__________________
(١) انظر مشكل إعراب القرآن (٢ / ٤٣) ، والكشف (٢ / ٤٤).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٩٦).
٦٢١ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٢٦) ، وخزانة الأدب (٦ / ١٨١) ، ولسان العرب (فدي) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٦ / ٢٣٧) ، وشرح المفصّل (٤ / ٧٣) ، وإعراب القرآن للنحاس (٣ / ٢٨).
(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٩٦).