صوت نشيش اللّحم عند القلاء (١)
اطّرد جميع قوافيها على جرّ مواضعها إلا (بيتا واحدا وهو) قوله :
*كأنها لما رآها الرّآء*
فإنه مرفوع الموضع. وفيه مع ذلك سرّ لطيف يرجعه إلى حكم المجرور بالتأويل.
وذلك أنّ (لمّا) مضافة إلى قوله : رآها الرّآء ، والفعل لذلك مجرور الموضع بإضافة الظرف الذى هو (لمّا) إليه ؛ كما أن قول الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١] الفعل الذى هو (جاء) فى موضع جرّ بإضافة الظرف الذى هو (إذا) إليه. وإذا كان كذلك ، وكان صاحب الجملة التى هى الفعل والفاعل إنما هو الفاعل ، وإنما جيء بالفعل له ومن أجله ، وكان أشرف جزءيها وأنبههما صارت الإضافة (كأنها) إليه ؛ فكأنّ الفاعل لذلك فى موضع جرّ ، لا سيّما وأنت لو لخّصت الإضافة هنا وشرحتها لكان تقديرها : كأنها وقت رؤية الرّآء لها. (فالرّآء) إذا مع الشرح مجرور لا محالة.
نعم ، وقد ثبت أن الفعل مع الفاعل فى كثير من الأحكام والأماكن كالشيء الواحد.
وإذا كان الفعل مجرور الموضع ، والفاعل معه كالجزء منه ، دخل الفاعل منه فى اعتقاد تلخيصه مجرورا فى اللفظ موضعه ؛ كما أن النون من إذن لمّا كانت بعض حرف جرى عليها ما يجرى على الحرف المفرد من إبداله فى الوقف ألفا ؛ وذلك قولهم : لأقومن إذا ؛ كما تقول : ضربت زيدا ، ومع النون الخفيفة للواحد : اضربا. فكما أجريت على بعض الحرف ما يجرى على جميعه من القلب ، كذلك أجريت على بعض الفعل ـ وهو الفاعل ـ ما يجرى على جميعه من الحكم.
ومما أجرى فيه بعض الحرف مجرى جميعه قوله :
*فبات منتصبا وما تكردسا (٢) *
__________________
(١) الرجز لغيلان الربعى والبيت الثانى منها فى لسان العرب (ذرع) ، وتاج العروس (ذرع). والنشيش : صوت الغليان.
(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ١٩٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٩ ، ولسان العرب (كردس)