وقد قال هميان بن قحافة :
لمّا رأتنى أمّ عمرو صدفت |
|
قد بلغت بى ذرأة فألحفت (١) |
وهامة كأنها قد نتفت |
|
وانعاجت الأحناء حتى احلنقفت (٢) |
وهى تسعة وثلاثون بيتا ، والتزم فى جميعها الفاء ، وليست واجبة وإن كانت قريبة من صورة الوجوب. وذلك أن هذه التاء فى الفعل إذا صارت إلى الاسم صارت فى الوقف هاء فى قولك : صادفة وملحفة ومحلنقفة (فإذا صارت هاء) لم يكن الروىّ إلا ما قبلها ، فكأنها لمّا سقط حكمها مع الاسم من ذلك الفعل صارت فى الفعل نفسه قريبة من ذلك الحكم. وهذا الموضع لقطرب. وهو جيّد.
ومن ذلك تائية كثير :
*خليلىّ هذا ربع عزّة فاعقلا*
لزم فى جميعها اللام والتاء.
ومنه قول منظور :
*من لى من هجران ليلى من لى*
لزم اللام المشدّد إلى آخرها.
وفى المحدثين من يسلك هذا الطريق ، وينبغى أن يكونوا إليه أقرب ، وبه أحجى ، إذ كانوا فى صنعة الشعر أرحب ذراعا ، وأوسع خناقا ؛ لأنهم فيه متأنّون ، وعليه متلوّمون (٣) ، وليسوا بمرتجليه ، ولا مستكرهين فيه.
وقد كان ابن الرومىّ رام ذلك لسعة حفظه ، وشدّة مأخذه. فمن ذلك رائيّته فى وصف العنب ؛ وهى قوله :
__________________
(١) ذرأة أى شيب.
(٢) البيت الأول من الرجز يروى لحسان بن ثابت فى ديوانه ص ٣٧٤ ، ولسان العرب (بلع) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (شنف) ، وتاج العروس (بلع). والثانى من الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حلقف) ، (حنا) ، وتاج العروس (حنا). الأحناء : الجوانب. واحلنقف الشىء : أفرط اعوجاجه.
(٣) التلوم فى الأمر : التمهل فيه والتريث.