يا ميّ لا غرو ولا ملاما |
|
فى الحبّ إن الحبّ لن يداما (١) |
فسرّ بذلك وقال : أسير بها إلى بلدى.
وأفضينا إلى هذا القدر لاتصاله بما كنّا عليه ؛ قال :
وعند سعيد غير أن لم أبح به |
|
ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر |
وأكثر هذه الالتزامات فى الشعر ؛ لأنه يحظر على نفسه ما تبيحه الصنعة إياه إدلالا ، وتغطرفا ، واقتدارا وتعاليا. وهو كثير. وفيما أوردناه منه كاف.
فأمّا فى غير الشعر فنحو قولك فى جواب من سألك فقال لك : أىّ شيء عندك؟ : زيد أو عمرو أو محمد الكريم أو علىّ العاقل. فإنما جوابه الذى لا يقتضى السؤال غيره أن يجيبه بنكرة فى غاية (شياع مثلها) فيقول : جسم. ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون فى قوله : أىّ شيء عندك ، إنما أراد أن يستفصلك بين أن يكون عندك علم أو قراءة أو جود أو شجاعة ، وأن يكون عندك جسم ما. فإذا قلت : جسم ، فقد فصلت بين أمرين قد كان يجوز أن يريد منك فصلك بينهما.
إلا أن جسما وإن كان قد فصل بين المعنيين فإنه مبالغ فى إبهامه. فإن تطوّعت زيادة على هذا قلت : حيوان. وذلك أن حيوانا أخصّ من جسم ؛ كما أن جسما أخصّ من شيء. فإن تطوّع شيئا آخر قال فى جواب أىّ شيء عندك : إنسان ؛ لأنه أخصّ من حيوان ؛ ألا تراك تقول : كلّ إنسان حيوان ، وليس كلّ حيوان إنسانا ؛ كما تقول : كل إنسان جسم ، وليس كلّ جسم إنسانا. فإن تطوّع بشىء آخر قال : رجل. فإن زاد فى التطوّع شيئا آخر قال : رجل عاقل أو نحو ذلك. فإن تطوع شيئا آخر قال : زيد أو عمرو (أو نحو ذلك).
فهذا كلّه تطوّع بما لا يوجبه سؤال هذا السائل.
ومنه قول أبى دواد :
فقصرن الشتاء بعد عليه |
|
وهو للذود أن يقسّمن جار (٢) |
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دوم) ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٨ ، وتاج العروس (دوم).
(٢) البيت من الخفيف ، وهو لأبى دؤاد الإيادىّ فى ديوانه ص ٣١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨١ ، ولسان العرب (قصر) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (قصر) ، والمعانى الكبير ص ٨٩