ثم قال وأنكر عمله على هذه الصفة جماعة من العلماء منهم الشيخ العلامة زين الدين الفارسكورى الشافعى ، وألف فى ذلك تأليفا حسنا ، والشيخ سراج الدين البلقينى وولده الإمام العلامة قاضى القضاء بالديار المصرية شيخ الإسلام جلال الدين ، وكان إذ ذاك متوليا وباقى القضاة ، وأفتوا بهدم هذا المقام وتعزير من أفتى بجوار بنائه على هذه الصفة ، ورسم ولى الأمر بهدمه ، فعارض فى ذلك بعض ذوى الهوى فلم يتم الأمر (١).
وسبب الإنكار ما حصل من شغل الأرض بالبناء وقلة الانتفاع بموضعه وما يتوقع من إفساد أهل اللهو فيه لأجل سترته لهم انتهى (٢).
وسبب المعارضة أن جماعة من علماء الحنفية إذ ذاك أفتوا بجواز بقائه على هذه الصفة لما فيه من النفع لعامة المسلمين من الاستظلال من حر الشمس والتوقى من البرد والمطر ، وأن حكمه حكم الأروقة والأساطين الكائنة بالمسجد الحرام. ثم فى سنة ست وثلاثين وثمانمائة كشف الأمير سودون المحمدى سقف المقام المذكور وعمره وزخرفه أحسن مما كان ، ووضع عليه من أعلاه قبة من خشب مبيضة تظهر من فوق ولا أثر لها من داخل المقام ، وفرش فيه حجارة حمرا تقرب من حجر الماء ، ولم يكن هذا فيه قبل ذلك ، ثم جدّد بعد ذلك مرارا آخرها فى حدود عام سبعة عشر وتسعمائة ، وقد أدركته ، وهو على هذه الصفة ، واستمر كذلك إلى عام أربعة وعشرين وتسعمائة.
فلما حج الأمير مصلح الدين الرومى فى موسم سنة ثلاث وعشرين فى أول ولاية مولانا السلطان سليم بدا له أن يهدمه ، فهدمه فى أول عام أربعة وعشرين وجعله قبة كبيرة شامخة على أربع بتر عراض جدا بأربع عقود كل ذلك من حجر يعرف عند أهل مكة بحجر الماء ، يؤتى به من جهة الحديبية أحمر وأصفر منحوت ، وزاد فى طوله وعرضه ، وأراد إيصاله بالمطاف فعرف بأن ذلك يؤدى إلى قطع الصف الأول الذى يصلى خلف إمام الشافعية ، فاقتصر وانتهى بمحرابه إلى إفريز حاشية المطاف ، واستمر الأول متصلا ، واستمرت هذه القبة كذلك نحو خمس وعشرين سنة فلما كان فى عام تسعة وأربعين وتسعمائة برز أمر مولانا سلطان الإسلام بهدم هذه القبة لما أنهى إليه من شموخها وأخذها جانبا كبيرا من المسجد.
__________________
(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٣٩٢.
(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٣٩٢.