وكان هدمها من كرامات الشيخ محمد بن عراق رحمهالله ، فإنى سمعت من غير واحد عن الشيخ المذكور أنه كان يقول : لا بد أن تهدم هذه القبة ، وكان كذلك وكرامات الولى حق. فلما برز الأمر بذلك بادر إلى هدمها الأمير خشقلدى ، صاحب الهمم العالية ، مزيل المنكرات ، وموسع الطرقات ، نقمة الله على أهل المفاسد ، نائب جدة المحروسة ومباشر العمائر السلطانية المأنوسة. أعزه الله تعالى ، وكان له وأحسن إليه. فبادر إلى امتثال الأمر وحضر بنفسه على جارى عادته فى علو الهمة وهدم القبة المذكورة وذلك فى أوائل شهر رجب أحد شهور عام تسعة وأربعين وتسعمائة.
ثم شرع فى بناء مقام عظيم فى الشهر المذكور وصفته أربع بتر لطاف فى الأركان من أنقاض القبة الأولى من حجر الماء وستة أعمدة من حجر الصوان مثمنة كل عمود قطعة واحدة. فمن ذلك عمودان بين البترتين المقدمتين إلى جهة القبلة ، وعمودان بين البترتين المؤخرتين ، وعمود بين البترتين من ناحية باب العمرة ، وعمود بين البترتين من جهة باب السلام مقابل له ، وعلى ذلك عشرة عقود لطاف وشقة ثلاثة منها إلى جهة القبلة وثلاثة منها إلى جهة آخر المقام مقابلة للثلاثة الأولى وعقدان إلى جهة باب العمرة عن يمين من كان جالسا فى المقام مستقبل القبلة وعقدان مقابلان لهما إلى جهة باب السلام وفوق ذلك سقف مزخرف من خشب الساج بصناعة ظريفة وكان تركيب هذا السقف فى يوم الخميس غرة شعبان أحد شهور العام المذكور آنفا.
ثم جعل فوق هذا السقف ظلة للمبلغين بأربع بتر وستة أعمدة ألطف من الأعمدة التحتانية على حكم ما جعل أسفل ، عليها سقف مزخرف بعمل محكم وفوق هذا السقف جملون عليه رصاص إلى جهة السماء لدفع المطر ، وفى أرض السقف الأول طاقة فى وسطه يرى المبلغ منها الإمام وجعلت درجة لطيفة يصعد منها المبلغ إلى الظلة فى وقت المكتوبات.
وكان ابتداء تركيب سقف الظلة فى يوم الثلاثاء رابع شهر رمضان وانتهى بعد الترصيص فى ثالث عشر رمضان من العام المذكور (١).
وأما مقام المالكى والحنبلى فكان قديما كمقام الشافعى المتقدم بترتان عليهما عقد ،
__________________
(١) إخبار الكرام ص ١٩٥ و ١٩٦.