ومن مقابر مكة أيضا قديما مقبرة المهاجرين بالحصحاص ، وهو ما بين فخّ والجبل المسمى بالمقلع وبالبكّاء أو الزاهر. كما هو مقتضى كلام الأزرقى والفاسى. وإنما سمى بالبكاء لما قيل إنه بكى على النبى صلىاللهعليهوسلم حين هاجر (١) ، وهو مشهور بالبكاء إلى اليوم.
أقول : فتكون المقبرة المذكورة فى المحل المعروف الآن بالمختلع الذى يبيت به أمير الحاج عند قدومه ثم يصبح ويدخل مكة. فينبغى لمن أتى ذلك الموضع أن يقرأ ما تيسر ثم يدعو هناك بالدعاء المأثور عند زيارة القبور ، ويهدى ثواب ذلك إليهم وإلى سائر أموات المسلمين ، وكذلك عند المقبرة العليا التى تقدم أن بها قبر سيدنا عبد الله بن عمر لما علمته والله الموفق.
وسبب تسميتها بمقبرة المهاجرين أن جندع ـ بجيم ونون ـ ابن أبى ضمرة ـ بمعجمة ـ ابن أبى العاص اشتكى وهو بمكة فخاف على نفسه فخرج يريد الهجرة إلى المدينة فأدركه الموت وهو بهذا المحل فدفن فيه فأنزل الله (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً) الآية (سورة النساء : ١٠٠) فسميت مقبرة المهاجرين به. أخرجه الأزرقى (٢).
ووقع مثل ذلك لغير جندع أيضا فدفن هنالك. وممن دفن بهذا المحل جماعة من العلويين قتلوا فيه فى حرب وقع بينهم وبين عسكر موسى الهادى فى سنة تسع وتسعين ومائة. وفيه جماعة من الأنصار مدفونون.
ويسمى هذا المحل أيضا بأضاة بنى غفار (٣) وهى التى قال النبى صلىاللهعليهوسلم : أتانى جبريل وأنا بأضاة بنى غفار فقال : يا محمد ، إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف. فقلت : أسأل الله المعافاة ، فقال : فإنه يأمرك أن تقرأه على حرفين ، فقلت : أسأل الله المعافاة ، قال : فإنه يأمرك أن تقرأه على ثلاثة أحرف ، فقلت : أسأل الله المعافاة ، قال : فإنه يأمرك أن تقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف (٤).
واختلف ما المراد بالسبعة الأحرف ، فقيل : سبع لغات.
ومن المقابر أيضا المباركة : مقبرة الشبيكة ، فيستحب زيارتها لما حوته من أهل الخير والغرباء لا سيما الفقراء الطرحاء فإنهم ما يدفنون غالبا إلا بها.
__________________
(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٥٧.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢١٢.
(٣) تحرف فى المطبوع إلى : «عقار».
(٤) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢١٣.