حنية دهنها أسود كأنها داخلة في صورة الحنية ، وصوّر ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة جنية صفراء كأنها بارزة من الحنية ، فاستحسن البازوريّ ذلك وخلع عليهما ووهبهما كثيرا من الذهب.
وكان بدار النعمان بالقرافة من عمل الكتاميّ صورة يوسف عليهالسلام في الجب وهو عريان ، والجب كله أسود ، إذا نظره الإنسان ظنّ أن جسمه باب من دهن لون الجبّ ، وكان هذا الجامع من محاسن البناء ، وكان بنو الجوهريّ ، يعظمون بهذا الجامع على كرسيّ في الثلاثة أشهر ، فتمرّ لهم مجالس مبجلة تروق وتشوق ، ويقوم خادمهم وزهر البان ، وهو شيخ كبير ومعه زنجلة إذا توسط أحدهم في الوعظ ويقول :
وتصدّقي لا تأمني أن تسألي |
|
فإذا سالت عرفت ذلّ السائل |
ويدور على الرجال والنساء فيلقى له في الزنجلة ما يسره الله تعالى ، فإذا فرغ من التطواف وضع الزنجلة أمام الشيخ ، فإذا فرغ من وعظه فرّق على الفقراء ما قسم لهم ، وأخذ الشيخ ما قسم له ، وهو الباقي ، ونزل عن الكرسيّ. وكان جماعة من الرؤساء يلزمون النوم بهذا الجامع ويجلسون به في ليالي الصيف للحديث في القمر في صحنه ، وفي الشتاء ينامون عند المنبر ، وكان يحصل لقيمه القاضي أبي حفص الأشربة والحلوى وغير ذلك.
قال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة : حدّثني الأمير أبو عليّ تاج الملك جوهر المعروف بالشمس الجيوشيّ قال : اجتمعنا ليلة جمعة جماعة من الأمراء ، بنو معز الدولة ، وصالح ، وحاتم ، وراجح ، وأولادهم ، وغلمانهم ، وجماعة ممن يلوذ بنا ، كابن الموفق والقاضي ابن داود ، وأبي المجد بن الصيرفيّ ، وأبي الفضل روزبة ، وأبي الحسن الرضيع ، فعملنا سماطا وجلسنا واستدعينا بمن في الجامع وأبي حفص ، فأكلنا ورفعنا الباقي إلى بيت الشيخ أبي حفص قيم الجامع ، ثم تحدّثنا ونمنا ، وكانت ليلة باردة ، فنمنا عند المنبر وإذا إنسان نصف الليل ممن نام في هذا الجامع من عابري السبيل قد قام قائما وهو يلطم على رأسه ويصيح وامالاه وا مالاه ، فقلنا له : ويلك ما شأنك وما الذي دهاك ومن سرقك وما سرق لك؟ فقال : يا سيدي أنا رجل من أهل طرا يقال لي أبو كريت الحاوي ، أمسى عليّ الليل ونمت عندكم وأكلت من خيركم ، وسع الله عليكم ، ولي جمعة أجمع في سلتي من نواحي طرا والحيّ الكبير والجبل ، كل غريبة من الحيات والأفاعي ما لم يقدر عليه قط حاو غيري ، وقد انفتحت الساعة السلة وخرجت الأفاعي وأنا نائم لم أشعر. فقلت له : إيش تقول : فقال : أي والله يا للنجدات ، فقلنا : يا عدوّ الله أهلكتنا ومعنا صبيان وأطفال؟ ثم إنّا نبهنا الناس وهربنا إلى المنبر وطلعنا وازدحمنا فيه ، ومنا من طلع على قواعد العمد فتسلق وبقي واقفا ، وأخذ ذلك الحاوي يحسس وفي يده كنف الحيات ويقول : قبضت الرقطاء ، ثم يفتح السلة ويضع فيها ، ثم يقول قبضت أم قرنين ويفتح ويضع فيها ، ويقول قبضت الفلانيّ والفلانية من الثعابين والحيات وهي معه بأسماء ، ويقول أبو تليس وأبو زعير